1 ـ سورة الشورى مكّيّة والحسنان غير موجودين :
ولعلّ هذه أهمّ الشبهات في المسألة ، وهي الأساس… ونحن تارةً نبحث عن الآية المباركة بالنظر إلى الروايات ، وأخرى بقطع النظر عنها ، فيقع البحث على كلا التقديرين.
أمّا على الأوّل : فإنّ الآية المباركة بالنظر إلى الروايات المختلفة الواردة ـ سواء المفسّرة بأهل البيت ، أو القائلة بأنّها نزلت بمناسبة قول الأنصار كذا وكذا ـ مدنية ، ولذا قال جماعة بأنّ سورة الشورى مكّيّة إلاّ آيات :
قال القرطبي : « سورة الشورى مكّيّة في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر. وقال ابن عبّاس وقتادة : إلاّ أربع آيات منها أنزلت بالمدينة : ( قل لا أسئلكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ) إلى آخرها »(1) .
وقال أبو حيان : « قال ابن عبّاس : مكّيّة إلاّ أربع آيات ، من قوله تعالى : (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ) إلى آخر الأربع آيات فإنّها نزلت بالمدينة »(2) .
وقال الشوكاني : « وروي عن ابن عبّاس وقتادة أنّها مكّيّة إلاّ أربع آيات منها أنزلت بالمدينة ( قل لا أسئلكم… )(3) .
وقال الآلوسي : « وفي البحر : هي مكّيّة إلاّ أربع آيات من قوله تعالى : ( قل لاأسئلكم عليه أجراً ) إلى آخر اربع آيات. وقال مقاتل : فيها مدني ، قوله تعالى : (ذلك الذي يبشّر الله عباده… ) واستثنى بعضهم قوله تعالى : ( أم يقولون افترى) …
وجوّز أن يكون الإطلاق باعتبار الأغلب »(4) .
وبهذا القدر كفاية.
ووجود آيات مدنيّة في سورة مكّيّة أو بالعكس كثير ، ولا كلام لأحد في ذلك.
وأمّا على الثاني : فالآية دالّة على وجوب مودّة « القربى » أي : أقرباء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم ، والخطاب للمسلمين لا لغيرهم.
أمّا أنّها دالّة على وجوب مودّة « قربى » النبيّ ، فلتبادر هذا المعنى منه ، وقد أذعن بهذا التبادر غير واحد من الأئمّة ، نذكر منهم :
الكرماني ، صاحب « الكواكب الدراري في شرح البخاري »(5) .
والعيني ، صاحب « عمدة القاري في شرح البخاري ».
قال العيني بشرح حديث طاووس : « وحاصل كلام ابن عبّاس : إنّ جميع قريش أقارب النبيّ صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم وليس المراد من الآية بنو هاشم ونحوهم كما يتبادر الذهن إلى قول سعيد بن جبير »(6) .
وأمّا أنّ الخطاب للمسلمين ، فلوجوه ، منها : السياق ، فإنّ الله سبحانه وتعالى يقول :
( ترى الظالمين مشفقين ممّا كسبوا وهو واقع بهم والّذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنّات لهم ما يشاؤن عند ربّهم ذلك هو الفضل الكبير * ذلك الذي يبشّر الله عباده الّذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودّة في القربى ومن يقترف حسنةً نزد له فيها حسناً إنّ الله غفور شكور * أم يقولون افترى على الله كذباً فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحقّ الحقّ بكلماته إنّه عليم بذات الصدور * وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات ويعلم ما تفعلون * ويستجيب الّذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد ).
فقد جاءت الآية المباركة بعد قوله تعالى : ( ذلك الذي يبشّر الله عباده الّذين آمنوا وعملوا الصالحات ).
فإن قلت :
فبعدها : ( أم يقولون افترى على الله كذباً…) ؟!
قلت :
ليس المراد من ذلك المشركين ، بل المراد هم المسلمون ظاهراً المنافقون باطناً ، يدلّ على ذلك قوله بعده : ( وهو الذي يقبل التوبة عن عباده ويعفو عن السيّئات ويعلم ما تفعلون ) فالخطاب ليس للمشركين ، ولم تستعمل « التوبة » في القرآن إلاّ في العصاة من المسلمين.
فإن قلت :
فقد كان في المسلمين في مكّة منافقون ؟!
قلت :
نعم ، فراجع ( سورة المنافقون ) و( سورة المدّثر ) وما قاله المفسّرون(7) .
وعلى هذا ، فقد كان الواجب على المسلمين عامّة « مودّة » أقرباء النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم… فهل ـ يا ترى ـ أمروا حينذاك بمودّة أعمامه وبني عمومته ؟!
أمّا المشركون منهم.. فلا ، قطعاً.. وأمّا المؤمنون منهم وقت نزول الآية أو بعده… فأولئك لم يكن لهم أيّ دور يذكر في مكّة…
بل المراد « عليّ » عليه السلام ، فإنّه الذي كان المشركون يبغضونه ويعادونه ،والمنافقون يحسدونه ويعاندونه ، والمؤمنون يحبّونه ويوادّونه.
ولا يخفى ما تدلّ عليه كلمتا « المودّة » و« يقترف ».
ثمّ إنّه صلّى الله عليه وآله وسلّم لما سئل ـ في المدينة ـ عن المراد من : « القربى » في الآية المباركة قال : « عليّ وفاطمة والحسن والحسين ».
(1) الجامع لأحكام القرآن 16 : 1 .
(2) البحر المحيط 9 : 322 .
(3) فتح القدير 4 : 524 .
(4) روح المعاني 25 : 10 .
(5) صحيح البخاري بشرح الكرماني 18 : 80 .
(6) عمدة القاري شرح صحيح البخاري 19 : 157 .
(7) يراجع بهذا الصدد : تفاسير الفريقين ، خاصّة في سورة المدثر ، المكّيّة عند الجميع، ويلاحظ اضطراب كلمات أبناء العامة وتناقضها ، في محاولات يائسة لصرف الآيات الدالة على ذلك عن ظواهرها ، فرارا ، من الإجابة عن السؤال بـ « من هم إذا ؟ » !!
أمّا الشيعة.. فقد عرفوا المنافقين منذ اليوم الأوّل… وللتفصيل مكان آخر ، ولو وجدنا متسعا لوضعنا في هذه المسألة القرآنية التاريخية المهمة جدّاً رسالة مفردة وبالله التوفيق.