موجز الكلام على حديث كتاب الله و سنّتي :
بل لا يوجد في شيء من الصحاح والمسانيد أصلاً ، نعم يوجد في (الموطأ ) و(المستدرك) وبعض كتب المتأخّرين ، ونحن نكتفي بالبحث عن سنده في الكتابين المذكورين ، لأنّهما عمدة الرّواة له.
* أمّا ( الموطّأ ) فقد جاء فيه ما نصّه : « وحدّثني عن مالك أنّه بلغه أنّ رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم قال : تركت فيكم أمرين لن تضلّوا ما تمسّكتم بهما ، كتاب الله وسنّة نبيّه »(1) .
وهو ـ كما ترى ـ لا سند له ، فقال السّيوطي بشرحه : « وصله ابن عبد البّر من حديث كثير بن عبدالله بن عمرو بن عوف ، عن أبيه ، عن جدّه »(2) .
لكن يكفينا النظر في حال « كثير بن عبدالله » المذكور. قال ابن حجر :
قال أبو طالب عن أحمد : منكر الحديث ، ليس بشيء.
وقال عبد الله بن أحمد : ضرب أبي على حديث كثير بن عبد الله في المسند ولم يحدّثنا عنه.
وقال أبو خيثمة : قال لي أحمد : لا تحدّث عنه شيئاً.
وقال الدوري عن ابن معين : لجدّه صحبة ، وهو ضعيف الحديث. وقال مرّةً : ليس بشي.
وكذا قال الدارمي عنه.
وقال الآجري : سئل أبو داود عنه فقال : أحد الكذّابين.
وقال ابن أبي حاتم : سألت أبا زرعة عنه فقال : واهي الحديث.
وقال أبو حاتم : ليس بالمتين.
وقال النسائي : ليس بثقة.
وقال ابن عديّ : عامة ما يرويه لا يتابع عليه.
وقال أبو نعيم : ضعّفه عليّ بن المديني.
وقال ابن سعد : كان قليل الحديث ، يستضعف.
وقال ابن حجر : ضعّفه الساجي.
وقال ابن عبد البر : ضعيف ، بل ذكر أنّه مجمع على ضعفه.
هذا ، والحديث عن أبيه عن جدّه ، وقد قال ابن حبّان :
روى عن أبيه عن جدّه نسخةً موضوعةً لا يحلّ ذكرها في الكتب ولا الرواية إلاّ على وجه التّعجب.
وقال ابن السكن : يروي عن أبيه عن جدّه أحاديث فيها نظر.
وقال الحاكم : حدّث عن أبيه عن جدّه نسخةً فيها مناكير(3).
* وأمّا ( المستدرك ) فقد أخرجه من طريق ابن أبي أويس عن عكرمة عن ابن عبّاس ، ثم قال : « وقد وجدت له شاهداً من حديث أبي هريرة » فأخرجه عنه من طريق صالح بن موسى الطلحي(4) .
لكن يكفينا النّظر في حال « إسماعيل بن أبي أويس » و« صالح بن موسى الطلحي الكوفي ».
أمّا الأوّل ، فهذه كلماتهم فيه :
قال معاوية بن صالح عن ابن معين : هو وأبوه ضعيفان.
وعنه أيضاً : ابن أبي أويس وأبوه يسرقان الحديث.
وعنه : مخلّط ، يكذب ، ليس بشي.
وقال النسائي : ضعيف.
وقال في موضع آخر : غير ثقة.
وقال اللاّلكائي : بالغ النسائي في الكلام عليه إلى أن يؤدّي إلى تركه ، ولعلّه بان له ما لم يبن لغيره ، لأنّ كلام هؤلاء كلّهم يؤول إلى أنّه ضعيف.
وقال ابن عديّ : روى عن خاله أحاديث غرائب لا يتابعه عليها أحد.
وقال الدولابي في الضعفاء : سمعت النضر بن سلمة المروزي يقول : ابن أبي أويس كذّاب.
وقال العقيلي في الضعفاء : ثنا أسامة الزفاف ـ بصري ـ سمعت يحيى بن معين يقول : ابن أبي أويس لا يسوى فلسين.
وقال الدارقطني : لا أختاره في الصحيح.
وقال ابن حزم في المحلّى قال أبو الفتح الأزدي : حدّثني سيف بن محمّد : أن ابن أبي أويس كان يضع الحديث.
قال سلمة بن شبيب : سمعت إسماعيل بن أبي أويس يقول : ربّما كنت أضع الحديث لأهل المدينة اذا اختلفوا في شيء فيما بينهم(5).
وأمّا الثاني ، فهذه كلماتهم فيه :
قال ابن معين : ليس بشي.
وقال أيضاً : صالح وإسحاق ابنا موسى ليسا بشي ولا يكتب حديثهما.
وقال هاشم بن مرثد عن ابن معين : ليس بثقة.
وقال الجوزجاني : ضعيف الحديث على حسنه.
وقال ابن أبي حاتم عن أبيه : ضعيف الحديث جدّاً ، كثير المناكير عن الثقات. قلت : يكتب حديثه ؟ قال : ليس يعجبني حديثه.
وقال البخاري : منكر الحديث عن سهل بن أبي صالح.
وقال النسائي : لا يكتب حديثه ، ضعيف.
وقال في موضع آخر : متروك الحديث.
وقال ابن عديّ : عامّة ما يرويه لا يتابعه عليه أحد ، وهو عندي ممّن لا يتعمّد الكذب ،وليس يشبّه عليه ويخطئ ، وأكثر ما يرويه عن جدّه من الفضائل ما لا يتابعه عليه أحد.
وقال الترمذي : تكلّم فيه بعض أهل العلم.
وقال عبد الله بن أحمد : سألت أبي عنه فقال : ما أدري ، كأنّه لم يرضه.
وقال العقيلي : لا يتابع على شيء من حديثه.
وقال ابن حبّان : كان يروي عن الثقات ما لا يشبه حديث الأثبات ، حتّى يشهد المستمع لها أنّها معمولة أو مقلوبة ، لا يجوز الاحتجاج به.
وقال أبو نعيم : متروك ، يروي المناكير(6) .
أقول :
هذه أسانيده في أهمّ الكتب المخرّجة له ، وقد عرفت حالها. فظهر أنّه ليس بحديث صادر عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم… فلا يجوز الاحتجاج به فضلاً عن أن يقابل به مثل حديث الثقلين « الكتاب والعترة أهل البيت» وغيره من الاحاديث القطعية.
هذا ، ومن أراد التّفصيل فليرجع إلى رسالتنا فيه(7) .
والخلاصة : إنّ السيّد يدعو إلى الوئام بين المسلمين عن طريق البحث الصحيح والجدل الحقّ ، في الحديث والسيرة والتاريخ وغير ذلك ، لا عن طريق تناسي الماضي ، لأنّ هذا لو أفاد في برهة من الزمن فلا يكاد يجدي على المدى البعيد ، ولا يعطي النتيجة المطلوبة ، بل إنّ معنى ذلك بقاء الانطباعات عن القضايا في النفوس والأذهان ، وهذاما يؤدّي ـ بطبيعة الحال ـ إلى مضاعفات لا تكاد تقبل العلاج من أي طرف كان.
وقد عرفت السيّد إلى من أهدى كتابه ! وأيّ شيء ترجّى منه !
هذا تمام الكلام حول المكابرات ، المتعلّقة بمقدّمة المراجعات.
(1) الموطأ 2 : 899/3 .
(2) تنوير الحوالك ـ شرح على موطأ مالك 3 : 93 .
(3) تهذيب التهذيب 8 : 377 ـ 378 .
(4) المستدرك على الصحيحين 1 : 93 .
(5) تهذيب التهذيب 1 : 271 ـ 272 .
(6) تهذيب التهذيب 4 : 354 ـ 355 .
(7) الرسائل العشر ، الرسالة العاشرة .