في دفع شبهات المخالفين
وتلخّص الكلام في الفصل السابق في أنّ الآية المباركة دالّة على إمامة أمير المؤمنين عليه السلام ، إن لم يكن بالنصّ فبالدلالة على العصمة على الأفضليّة للأحبيّة والأقربيّة وغيرهما من الوجوه… ولم يكن هناك أيّ مجال للطعن في سند الحديث أو التلاعب بمتنه…
فلننظر في كلمات المخالفين في مرحلة الدلالة :
* أمّا إمام المعتزلة ، فقد قال :
« دليل آخر لهم : وربّما تعلّقوا بآية المباهلة وأنّها لما نزلت جمع النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً وفاطمة والحسن والحسين عليهم السلام وأنّ ذلك يدلّ على أنّه الأفضل ، وذلك يقتضي أنّه بالإمامة أحقّ ولا بدّ من أن يكون هو المراد بقوله ( وأنفسنا وأنفسكم ) (الآية. لأنّه عليه السلام لا يدخل تحت قوله تعالى : ( ندع أبناءناوأبناءكم ونساءنا ونساءكم ) فيجيب أن يكون داخلاً تحت قوله : ( وأنفسنا وأنفسكم ) ) ، ولا يجوز أن يجعله من نفسه إلاّ ويتلوه في الفضل.
وهذا مثل الأوّل في أنّه كلام في التفضيل ، ونحن نبيّن أنّ الإمامة قد تكون في من ليس بأفضل.
وفي شيوخنا من ذكر عن أصحاب الآثار أنّ عليّاً عليه السلام لم يكن في المباهلة.
قال شيخنا أبو هاشم : إنّما خصّ صلّى الله عليه وآله وسلّم من يقرب منه في النسب ولم يقصد الإبانة عن الفضل ، ودلّ ذلك بأنّه عليه السلام أدخل فيها الحسن والحسين عليهما السلام مع صغرهما لما اختصا به من قرب النسب. وقوله : ( أنفسنا وأنفسكم ) يدلّ على هذا المعنى ، لأنّه أراد قرب القرابة ، كما يقال في الرجل يقرب من القوم في النسب : إنّه من أنفسهم.
ولا ينكر أن يدلّ ذلك على لطف محلّه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وشدّة محبّته له وفضله ، وإنّما أنكرنا أن يدلّ ذلك على أنّه الأفضل أو على الإمامة… »(1) .
أقول :
ويتلّخص هذا الكلام في أمور :
الأوّل : إن الإمامة قد تكون في من ليس بأفضل.
وهذا ـ في الواقع ـ تسليم باستدلال الإماميّة بالآية على أفضلية أمير المؤمنين عليه السلام ، وكون الإمامة في من ليس بأفضل لم يرتضه حتّى مثل ابن تيميّة !
والثاني : إنّ عليّاً لم يكن في المباهلة.
وهذا أيضاً دليل على تماميّة استدلال الإماميّة ، وإلاّ لم يلتجؤا إلى هذه الدعوى ، كما التجأ بعضهم ـ كالفخر الرازي ـ في الجواب عن حديث الغدير ، بأن عليّاً لم يكن في حجّة الوداع !
والثالث : إنّه لم يكن القصد إلى الإبانة عن الفضل ، بل أراد قرب القرابة.
وهذا باطل ، لأنّه لو أراد ذلك فقط ، لأخرج غيرهم من أقربائه كالعباس ، وهذا ماتنبه إليه ابن تيميّة فأجاب بأنّ العبّاس لم يكن من السابقين الأوّلين ، فاعترف ـ من حيث يدري أو لا يدري ـ بالحقّ.
هذا ، ولا يخفى أن معتمد الأشاعرة في المناقشة هو هذا الوجه الأخير ، وبهذا يظهر أنّ القوم عيال على المعتزلة ، وكم له من نظير !!
(1) المغني في الإمامة : 20 القسم 1 : 142 .