خلاصة البحث
وتلخّص : أنّ الآية المباركة لم تنزل إلاّ في العترة الطاهرة ، وهذا ما أشار إليه السيّد ـ رحمه الله ـ بقوله : « هل حكمت محكماته بذهاب الرجس عن غيرهم ؟! وهل لأحد من العالمين كآية تطهيرهم ؟! ».
فقيل :
« هذه الآية لم تنزل في آل البيت ـ كما يفهم المؤلّف ـ بل نزلت في نساء النبيّ صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم ، وإن كان معناها متضمّناً لآل البيت بالمفهوم الضيّق الذي يفهمه الشيعة ، وهم أبناء عليّ وفاطمة.
وليس فيها اخبار بذهاب الرجس وبالطهارة ، وإنّما فيها الأمر بما يوجب طهارتهم وذهاب الرجس عنهم ، وذلك كقوله تعالى ( المائدة : 6 ) ( ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهّركم ) وكقوله تعالى : ( النساء : 26 ) : (يريد الله ليبيّن لكم ويهديكم ) وكقوله ( النساء : 28 ) : ( يريد الله أن يخفّف عنكم)…
وممّا يبيّن أنّ ذلك ممّا أمروا به لا ممّا أخبر بوقوعه : إنّ النبيّ صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم أدار الكساء على عليّ وفاطمة والحسن والحسين ثمّ قال : اللّهمّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً. رواه مسلم من حديث عائشة ، ورواه أصحاب السنن من حديث أمّ سلمة. وفيه دليل على أنّه تعالى قادر على إذهاب الرجس والتطهير.
وممّا يبيّن أنّ الآية متضمنة للأمر والنهي قوله في سياق الكلام ( الأحزاب : 30 ـ 34 ) (يا نساء النبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة ) إلى قوله : (ولا تبرّجن تبرّج الجاهلية الأولى وأقمن الصلاة وآتين الزكاة وأطعن الله ورسوله إنّما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهّركم تطهيراً * واذكرن ما يتلى في بيوتكنّ… ).
فهذا السياق يدلّ على أنّ ذلك أمر ونهي ، وأنّ الزوجات من أهل البيت ، فإنّ السياق إنّما هو في مخاطبتهن. ويدلّ الضمير المذكّر على أنّه عمّ غير زوجاته كعليّ وفاطمة وابنيهما ، كما أن مسجد قبا أسّس على التقوى ، ومسجده أيضاً أسّس على التقوى وهو أكمل في ذلك ، فلمّا نزلت ( التوبة : 108 ) : ( لمسجد أسّس على التقوى ) تناول اللفظ مسجد قبا ولمسجده بطريق الأولى.
وفي صحيح مسلم من حديث زيد بن أرقم(1) : (… وأهل بيتي ، أذكركم الله في أهل بيتي. ثلاثاً ) .
فقال الحصين : ومن أهل بيته يا زيد ؟ أليس نساؤه من أهل بيته ؟!
قال : نساؤه من أهل بيته ، ولكن أهل بيته من حرم الصدقة بعده.
قال : ومن هم ؟
قال : آل عليّ ، وآل عقيل ، وآل جعفر ، وآل عبّاس.
قال : كلّ هؤلاء حرم الصدقة ؟!
قال : نعم. ( مسلم 7/122 ـ 123) .
وفي الصحيحين : اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى أزواجه وذرّيّته(2) . (المنتقى : 169 ).
وعلى هذا ، فإن كلام المؤلّف عن هذه بأنّها قد حكمت بذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم كلام تنقصه الدقّة ، بل فيها حكم بإرادة الله ذهاب الرجس عنهم وتطهيرهم ، وذلك إذا فعلوا ما سبق أن خوطبت به نساء النبيّ صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم في الآيات السابقة ».
أقول :
وهذا الكلام هو كلام ابن تيميّة ، وقد ذكرنا غير مرّة أنّ هؤلاء المتأخّرين ، المناوئين لأهل البيت الطاهرين ، يلجأون إلى كلمات ابن تيميّة متى ما أعوزهم الدليل ، وقد عرفت التهافت والتناقض في كلمات ابن تيميّة حول آية التطهير.
لكنّ هذا الرجل اختار هذا الكلام دون كلامه السابق ، لخلوّ هذا من التصريح بصحّة الحديث وكونه فضيلةً خاصّة بأهل البيت عليهم السلام !!
على أنّ نفس هذا الكلام أيضاً متهافت ـ كما لا يخفى على أهل النظر والتدقيق ـ لأنّه يقول أوّلا : « هذه الآية لم تنزل في آل البيت كما يفهم المؤلّف » ففي من نزلت ؟!
يقول : « بل نزلت في نساء النبيّ صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم ».
وهذا قول عكرمة الخارجي !
لكنّه يستدرك قائلا : « وإن كان معناها متضمّناً لآل البيت… ».
وهذا عدول عن رأي عكرمة وقبول للقول الآخر.
ثمّ يناقض نفسه فيقول : « ويدلّ الضمير المذكّر على أنّه عمّ غير زوجاته كعليّ وفاطمة وابنيهما » لأنّ ظاهر قوله : « كان معناها متضمّناً… » نزول الآية في النساء فقط وهو قول عكرمة ، وقوله : « ويدلّ الضمير المذكّر… » صريح في شمول الآية لغير النساء !!
لكنّ قوله ـ تبعاً لابن تيميّة ـ : « كعليّ… » خروج عمّا ذهب إليه المسلمون قاطبةً…
وعلى كلّ حال فإنّها محاولات يائسة.. للتملّص عمّا جاءت به السنّة النبويّة الشريفة الثابتة لدى المسلمين..
وما كلّ هذه التمحّلات والمكابرات وأمثالها من الكُتّاب المتأخّرين كالدكتور السالوس، كما في كتابنا : مع الدكتور السالوس في آية التطهير ـ إلاّ لعلم القوم بما تنطوي عليه الآية المباركة والأحاديث الواردة في معناها من دلالات…
والله هو العاصم ، وهو ولي التوفيق.
(1) كذا .
(2) صحيح البخاري 4 : 206/6360 . صحيح مسلم 1 : 371/407 .