المراجعة (4)
* قال السيّد رحمة الله تعالى عليه :
1 ـ إنّ تعبّدنا في الأصول بغير المذهب الأشعري ، وفي الفروع بغير المذاهب الأربعة لم يكن لتحزب أو تعصّب ، ولا للريب في اجتهاد أئمّة تلك المذاهب ، ولا لعدم عدالتهم وأمانتهم ونزاهتهم وجلالتهم علماً وعملاً. لكنّ الأدلّة الشرعيّة أخذت بأعناقنا إلى الأخذ بمذهب الأئمّة من أهل بيت النبوّة وموضع الرسالة ، ومختلف الملائكة ، ومهبط الوحي والتنزيل.
أقول :
* الأشعري هو : أبو الحسن عليّ بن إسماعيل.. من ذريّة أبي بردة ابن أبي موسى الأشعري. قال الذهبي : « مات ببغداد سنة 324. حطّ عليه جماعة من الحنابلة والعلماء ، وكلّ أحد فيؤخذ من قوله ويترك ، إلاّ من عصم الله تعالى. اللّهمّ اهدنا وارحمنا »(1) .
قال : « وقد ألّف الأهوازي جزءاً في مثالب ابن أبي بشر ، فيه أكاذيب ، وجمع أبوالقاسم في مناقبه فوائد بعضها أيضاً غير صحيح »(2) .
قال : « فقيل : إنّ الأشعري لما قدم بغداد جاء إلى أبي محمّد البربهاري فجعل يقول : رددت على الجبّائي ، رددت على المجوس ، وعلى النصارى. فقال أبو محمّد : لا أدري ما تقول ، ولا نعرف إلاّ ما قاله الإمام أحمد. فخرج وصنّف الإبانة ، فلم يقبل منه »(3) .
* والأدلّة الشرعيّة من الكتاب والسنّة مذكورة في كتبنا المعدّة لهذا الشأن ، وسيأتي ذكر بعض ما هو المتّفق عليه منها ، إن شاء الله تعالى. فإنّ مفادها وجوب اتّباع الأئمّة من أهل البيت في جميع الشؤون ، والمنع عن اتّباع غيرهم مطلقاً.
كما أنّ وصف الأئمّة عليهم السلام بالأوصاف التي وصفوا بها في عبارة السيّد موجود في كتبنا ، وفي كتب القوم. وسنذكر الحديث الوارد من طرقهم في ذلك.
قيل :
كلامه في هذه المراجعة يوحي بأنّ أئمّة المذاهب الأربعة يناصبون أئمّة أهل البيت العداء ، ويسيرون على غير مذهبهم ، ويشير إلى أن أهل السُنّة قد خالفوا الأئمّة من آل محمّد.
أقول :
أمّا أنّ كلام السيّد يوحي بأنّ « أئمّة المذاهب الأربعة » يناصبون العداء لأئمّة أهل البيت. فإنّ كان المراد خصوص « الأئمّة الأربعة » فكلام السيّد لا يوحي بذلك ، وإن كان مالك بن أنس معدوداً في الخوارج ـ كما في بعض المصادر(4) ـ ، وهم أعداء أمير المؤمنين عليه السلام. وإن كان المراد سائر أئمّة المذاهب الأربعة فقد كان بينهم من يناصب العداء لآل الرسول صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وأمّا أنّ كلامه يوحي بأن « الأئمّة الأربعة » يسيرون على غير مذهب أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، وأنّه يشير إلى أنّ أهل السُنّة قد خالفوا الأئمّة… فهذا واضح جدّاً ولا سبيل إلى إنكاره. لأنّ أئمّة المذاهب يدّعون لأنفسهم الاجتهاد في الدين ، فيفتون ويعملون بما يرتأون ، فهم يسيرون على مذاهبهم ، وهي مغايرة لمذهب أهل البيت في كثيرمن المسائل ، ويتّبعهم جمهور أهل السُنّة لكونهم ـ في الأغلب ـ مقلّدين لهم…
قال ابن تيميّة : « وأمّا الكتاب المنقول عن عليّ ففيه أشياء لم يأخذ بها أحد من العلماء »(5) .
قال : « وقد جمع الشافعي ومحمّد بن نصر المروزي كتاباً كبيراً في ما لم يأخذ به المسلمون من قول عليّ ، لكون قول غيره من الصحابة أتبع للكتاب والسنّة !! »(6) .
وقال السبكي بترجمة المروزي نقلاً عن أبي إسحاق الشيرازي : « وصنّف كتاباً في ما خالف فيه أبو حنيفة عليّاً وعبد الله رضي الله عنهما »(7) .
فهذا بالنسبة إلى مخالفة الأئمّة وأتباعهم لأهل البيت عليهم السلام.
لكن في القوم من بقايا بني أميّة وأشياعهم من يتفوه بأشياء واضحة الدلالة على النصب والعداء ، ( قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر )(8) .
* وإلاّ فما معنى قول أحدهم :
« إنّ الغاية من الخلافة هي إصلاح الأمّة وهدايتها ، وخلافة المرتضى لم تحقّق هذه الغاية ، ولم يكن من واجب الأئمّة أن تناضل تحت رايته كما كانت مأمورة بذلك في عصر من سبقه. ولقد وجدنا ـ كما دلّت الأحاديث ـ انقطاع العناية الربانيّة عن الأمّة في عصره بعد استمرارها في عصرهم… » !!
« وإنّ من أعظم أنواع الورع ترك المقاتلات بين المسلمين كما كان من الشيخين ، بخلاف المرتضى » !!
« وإنّ النبيّ إنّما شرّف المرتضى بشرف الأخوّة ، لحزنه ، وبكائه ، لا لشيء آخر » !!(9) .
* وما معنى قول الآخر في سيّد شباب أهل الجنّة الإمام الحسين السبط الشهيد عليه السلام :
« قتل بسيف جدّه » !!
قال العلاّمة المنّاوي : « وقد غلب على ابن العربي الغضّ من أهل البيت حتّى قال : قتله بسيف جدّه »(10) .
وما معنى قول ثالث في الإمام أبي عبد الله الصادق عليه السلام :
« في نفسي منه شيء » !!(11) .
* وما معنى قول رابع في الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام :
« يحتجّ بحديثه من غير رواية أولاده عنه »(12) .
* وما معنى قوله في الإمام أبي الحسن الرضا عليه السلام :
« يروي عن أبيه العجائب »(13) .
* وما معنى قول خامس في الإمام الحسن العسكري عليه السلام :
« ليس بشي »(14) .
ففي القوم من يقول ـ أو يرتضي أن يقال ـ مثل هذه الأشياء في أئمّة أهل البيت عليهم السلام ، ومع ذلك يدّعي بعضهم أنّهم هم المقتدون بأهل البيت والمتمسّكون بحبل ودادهم.
لكنّهم إذا ما نقل الشيعي عن تاريخ ابن خلّكان وغيره : أنّ مالكاً ـ أحد الأئمّة الأربعة ـ بقي في بطن اُمّه ثلاث سنين… قالوا : لماذا نقل هذا ؟! وماذا قصد ؟! وإذا كان الناقلون لهذه القضيّة : قاضي القضاة ابن خلكّان الشافعي ، وحافظ المغرب ابن عبد البرّ المالكي ، والمؤرّخ الشهير ابن قتيبة.. وأمثالهم ، فما ذنب الشيعي إذا نقلها عنهم ؟! بل لقد حكى الحافظ الذهبي ذلك ولم يتعقّبه بشيء ، فقال :
« قال معن والواقدي ومحمّد بن الضحّاك : حملت أمّ مالك بمالك ثلاث سنين. وعن الواقدي قال : حملت به سنتين »(15) .
وقال : « قال معن القزّاز وجماعة : حملت بمالك أمّه ثلاث سنين »(16) .
وقال الحافظ المالكي القاضي عياض في كتابه المؤلّف في فضائل مالك وعلماء مذهبه : «باب في مولد مالك ـ رحمه الله تعالى ـ والحمل به ومدّة حياته ووقت وفاته » : « واختلف في حمل أمّه به ، فقال ابن نافع الصائغ والواقدي ومعن ومحمّد بن الضحّاك : حملت به أمّه ثلاث سنين . وقال نحوه بكّار بن عبد الله الزبيري وقال : أنضجته ـ والله ـ الرحم. وأنشد الطرمّاح :
تظن بحملنا الأرحام حتّى *** تنضّجنـا بطون الحاملاتقال ابن المنذر : وهو المعروف.
وروي عن الواقدي أيضاً : « إن حمل أمّه به سنتان. قاله عطاف بن خالد »(17) .
هذه كلمات أئمّة القوم ، وفيهم رؤساء أتباع مالك ، كالقاضي عياض وابن عبد البرّ.
والسيّد رحمه الله لم يقل إلاّ : « ذكر ابن خلّكان في أحوال مالك من وفيات الأعيان : إنّ مالكاً بقي جنيناً في بطن أمّه ثلاث سنوات. ونصّ على ذلك ابن قتيبة حيث ذكر مالكاً في أصحاب الرأي من كتابه ( المعارف ) ص 498 ، وحيث أورد جماعةً زعم أنّهم قد حملت بهم أمّهاتهم أكثر من وقت الحمل ، صفحة 549 من ( المعارف ) أيضاً » .
فقيل :
« ليس في وفيات الأعيان في ترجمة مالك ما ادّعى المؤلّف ، بل فيه : وقال ابن السمعاني في كتاب الأنساب في ترجمة الأصبحي : إنّه ولد في سنة ثلاث أو أربعة وتسعين. والله أعلم بالصواب ».
أقول :
جاء في « وفيات الأعيان » بترجمة مالك : « وكانت ولادته في سنة خمس وتسعين للهجرة ، وحمل به ثلاث سنين.
وتوفّي في شهر ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين ومائة ، رضي الله عنه ، فعاش أربعاً وثمانين سنة. وقال الواقدي : مات وله تسعون سنة. وقال ابن الفرات في تاريخه المرتّب على السنين : وتوفّي مالك بن أنس الأصبحي لعشر مضين من شهر ربيع الأوّل سنة تسع وسبعين ومائة. وقيل : إنّه توفّي سنة ثمان وسبعين ومائة. وقيل : إنّ مولده سنة تسعين للهجرة. وقال السمعاني في كتاب ( الأنساب ) في ترجمة الأصبحي : إنّه ولد في سنة ثلاث أو أربع وتسعين.
والله أعلم بالصواب »(18) .
فلماذا التكذيب والإنكار ؟!
(1) سير أعلام النبلاء 15 : 86 .
(2) سير أعلام النبلاء 15 : 89 .
(3) سير أعلام النبلاء 15 : 90 .
(4) الكامل ـ للمبرّد ـ 3 : 1137 .
(5) منهاج السُنّة 8 : 279 .
(6) منهاج السُنّة 8 : 281 .
(7) طبقات الشافعية 2 : 247 .
(8) سورة آل عمران 3 : 118 .
(9) قرّة العينين ـ لشاه وليّ الله ـ : 150 ـ 152 .
(10) فيض القدير 1 : 205 .
(11) الكاشف 1 : 130 رقم 807 ، عن القطان .
(12) تهذيب التهذيب 2 : 89 ، عن ابن حبّان .
(13) تهذيب التهذيب 7 : 339 ، عن ابن حبّان .
(14) اللآلي المصنوعة 1 : 396 ، الموضوعات 1 : 415 .
(15) سير أعلام النبلاء 8 : 132 .
(16) العبر في خبر من غبر 1 : 210 .
(17) ترتيب المدارك 1 : 111 .
(18) وفيات الأعيان 4 : 137 .