المراجعة (12)
حجج الكتاب
قيل :
« لابدّ قبل التعرض لاستشهاد المؤلّف بالآيات على ما ذهب إليه ، من كلمة موجزة في منهج الشيعة في تفسير القرآن الكريم :
إنّ الدارس للفرق والمذاهب التي نشأت بعد حركة الفتح الإسلامي واستقرار الإسلام بدولته المترامية ، لا بدّ وأنْ يلاحظ أوّلا أنّ هذه الفرق اتخذت القرآن الكريم وسيلة للإستدلال على آرائها ، ولكنّ الفرق بين أصحاب الآراء الصحيحة التي لا تخالف الأصول الإسلامية وبين غيرهم من أصحاب المذاهب المبتدعة : أنّ الأوائل كانوا تابعين لما تدلّ عليه معاني القرآن الكريم ، موضّحين لدلالات ألفاظه كما فهمها سلف الأمّة وعلماؤها ، وكما فسّرها الرسول صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم وأصحابه والتابعون لهم بإحسان ، فكانوا ضمن دائرة التمسّك بالكتاب والسنّة ، لم يشذّوا عنها.
أمّا أصحاب البدع والأهواء ، فقد رأوا آراءً ، واعتقدوا اعتقادات أرادوا أن يروّجوها على الناس ، فأعوزتهم الأدلّة ، فالتفتوا إلى القرآن الكريم… وهم كما قال ابن تيميّة…
أمثلة من مواقف الشيعة في التفسير : يقول ملاّ محسن الكاشي في مقدّمة كتابه : (الصافي في تفسير القرآن الكريم )…
وملاّ محسن الكاشي ممّن يرى أن القرآن قد حرّف… ولا يتورّع هذا الرافضي المفتري من الطعن على كبار الصحابة الكرام ، ويرميهم بكلّ نقيصة ، ويجرّدهم من كلّ مكرمة ، هكذا فعل مع عثمان في تفسير الآيتين 84 و85 من سورة البقرة ، وهكذا فعل مع أبي بكر في تفسير الآية 40 من سورة التوبة ، وكذلك طعن في أبي بكر وعمر وعائشة وحفصة عند تفسيره أول سورة التحريم ( يا أيّها النبيّ لِمَ تحرّم ما أحلّ الله لك… ).
ويعتقد عبدالله بن محمد رضا العلويّ ـ الشهير بشبّر ـ المتوفّى سنة 1242 أنّ القرآن قد حرّف… وعند تفسيره لقوله تعالى في الأية 40 من سورة التوبة ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا فأنزل الله سكينته عليه وأيّده بجنود لم تروها ) الآية ، نجده يعرض عن تعيين هذا الذي صحب النبيّ صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم في هجرته وهو أبو بكر ، ثمّ يصرّح أو يلمّح بما نقص من قدره أو يذهب بفضله المنسوب إليه والمنوّه به في القرآن الكريم ، فيقول… ».
أقول :
لابدّ قبل التعرّض لاستدلال السيّد ـ رحمه الله ـ بآيات الكتاب الكريم على ولاية أهل البيت عليهم السلام ، على ضوء الأخبار المتّفق عليها بين علماء الفريقين ، من ذكر الأمور التالية بإيجاز :
1 ـ إنّه كما لغير الشيعة الإماميّة الاثني عشرية من الفرق الإسلامية منهج في تفسيرالقرآن الكريم ، وفهم حقائقه وأحكامه ، وأسباب نزول آياته… كذلك الشيعة ، وإنّ منهجهم يتلخّص في الرجوع إلى القرآن وما ورد عن العترة المعصومين بالأسانيد المعتبرة… وهذا أمر واضح وللتحقيق فيه مجال آخر.
2 ـ إلاّ أنّ منهج البحث في كتب المناظرة يختلف… فإنّ من الأصول التي يجب على الباحث المناظر الالتزام بها هو : الاستدلال بالروايات الواردة عن طريق رجال المذهب الذي يعتنقه الطرف المقابل ، وكلمات العلماء المحقّقين المعروفين من أبناء الطائفة التي ينتمي إليها.
فهذا ممّا يجب الالتزام به في كلّ بحث يتعلّق بالفرق والمذاهب ، وإلاّ فإن كلّ فرقة ترى الحقّ في كتبها ورواياتها ، وتقول ببطلان ما ذهب إليه وقال به غيرها ، فتكون المناقشة بلا معنىً والمناظرة بلا جدوى.
وعلى هذه القاعدة مشى السيّد ـ رحمه الله ـ في ( مراجعاته ) مع شيخ الأزهر ( الشيخ البشري ).
وفي ( حجج الكتاب )… حيث يشير إلى المصادر السنيّة المقبولة لدى ( الشيخ )…
فكان القول بنزول الآية المباركة في أمير المؤمنين أو أهل البيت عليهم السلام قولاً متّفقاً عليه بين الطرفين ، والحديث الوارد في ذلك سنّةً ثابتةً يجب اتّباعها والتمسّك بها على كلا الفريقين.
وقد كانت هذه طريقة علمائنا المتقدّمين…
3 ـ ولم نجد الالتزام بهذه الطريقة التي تفرضها طبيعة البحث والحوار في كلمات أكثرعلماء أهل السُنّة…
ومن أراد التأكّد من هذا الذي نقوله فلينظر ـ مثلاً ـ إلى كتاب « منهاج الكرامة في إثبات الإمامة » للعلاّمة الحلّي ، وما قاله ابن تيميّة في ( منهاجه ) في الردّ عليه ، وليقارن بين المنهاجين ، خصوصاً في فصل الاستدلال بالكتاب ، فبدلاً من أن يلتزم ابن تيميّة بالقواعد والآداب ، أخذ يسبّ العلاّمة ويشتمه ويتّهمه بأنواع التهم ! ثمّ يضطرّ إلى اتّهام كبار أئمّة السنّة في التفسير والحديث ـ الّذين نقل عنهم العلاّمة القول بنزول الآيات في أهل البيت ، كالثعلبي والواحدي والبغوي ونظرائهم ـ بنقل الموضوعات ورواية المكذوبات ، وأمثال ذلك من الاتّهامات ، وسنتعرّض لذلك في خلال البحث عن الآيات.
ثمّ إنّ ابن تيميّة أصبح ـ وللأسف ـ قدوةً للّذين يجدون في أنفسهم حرجاً ممّا قضى الله ورسوله ، فلوّوا رؤوسهم واستكبروا استكباراً . أمّا الشيخ البشري وأمثاله ، فأذعنوا للحقّ واتّبعوه ، فمنهم من أخفى ذلك ومنهم من أجهر به إجهاراً…
4 ـ وفضائل الإمام عليّ وأهل البيت عليهم السلام في القرآن الكريم ، وما نزل فيهم من آياته الكريمة ، كثيرة جدّاً ، حتّى أنّ جماعة من أعلام السنّة أفردوا ذلك بالتأليف…
هذا ، بالرغم من الحصار الشديد المضروب على رواية هذا النوع من الأحاديث ورواته !
أمّا غير أهل البيت ، فلم يدّع ـ حتّى في كتب القوم ـ نزول شيء من الآيات في حقّهم..!
أنظر إلى كلام القاضي عضد الدين الإيجي ـ المتوفّى سنة 756 ـ في كتابه « المواقف في علم الكلام » الذي هو من أجلّ متونهم في علم الكلام ، يقول :
« المقصد الرابع : في الإمام الحقّ بعد رسول الله صلّى الله عليه ]وآله [وسلّم ، وهو عندنا أبو بكر ، وعند الشيعة عليّ ، رضي الله عنهما. لنا وجهان : الأوّل : إنّ طريقه إمّا النصّ أو الإجماع. أمّا النصّ فلم يوجد… »(1) .
نعم ، ذكر في المقصد الخامس ، في أفضل الناس بعد رسول الله صلّى الله عليه وآلهوسلّم : « هو عندنا وأكثر قدماء المعتزلة أبو بكر ـ رضي الله عنه ـ ، وعند الشيعة وأكثر متأخّري المعتزلة عليّ. لنا وجوه الأوّل : قوله تعالى : ( وسيجنّبها الأتقى * الذي يؤتي ماله يتزكّى )(2) . قال أكثر المفسّرين ـ واعتمد عليه العلماء ـ أنّها نزلت في أبي بكر. الثاني : قوله عليه السلام… »(3) .
فلم يستدلّ من الكتاب إلاّ بآية واحدة ، نسب إلى أكثر المفسّرين نزولها في أبي بكر.
فهذه آية واحدة فقط !
وهناك آية ثانية ، وهي آية الغار ، جعلوها فضيلة لأبي بكر ، واستدلّوا بها في الكتب.
أمّا آية الغار فممّن تكلّم في الاستدلال بها : المأمون العبّاسي ، الذي وصفه الحافظ السيوطي في كتابه « تاريخ الخلفاء وأمراء المؤمنين » فقال : « قرأ العلم في صغره وسمع الحديث من : أبيه ، وهشيم ، وعبّاد بن العوّام ، ويوسف ابن عطيّة ، وأبي معاوية الضرير ، وإسماعيل بن عليّة ، وحجّاج الأعور ، وطبقتهم. وأدّبه اليزيدي ، وجمع الفقهاءمن الآفاق ، وبرع في الفقه والعربيّة وأيّام الناس ، ولمّا كبر عني بالفلسفة وعلوم الأوائل ومهر فيها ، فجرّه ذلك إلى القول بخلق القرآن.
روى عنه : ولده الفضل ، ويحيى بن أكثم ، وجعفر بن أبي عثمان الطيالسي ، والأمير عبد الله بن طاهر ، وأحمد بن الحارث الشيعي ، ودعبل الخزاعي ، وآخرون.
وكان أفضل رجال بين العبّاس حزماً وعزماً ، وحلماً وعلماً ، ورأياً ودهاءً ، وهيبةً وشجاعةً ، وسؤدداً وسماحةً ، وله محاسن وسيرة طويلة ، لولا ما أتاه من محنة الناس في القول بخلق القرآن ، ولم يل الخلافة من بني العبّاس أعلم منه ، وكان فصيحاً مفوّهاً… »(4) .
تكلّم المأمون في آية الغار ، في مجلس ضمّ قاضي القضاة يحيى بن أكثم وأئمّة العصر في الفقه والحديث ، في مسائل كثيرة من أبواب الفضائل والمناقب ، فكان أن قال لمخاطبه ـ وهو : إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل بن حمّاد بن زيد ; والراوي إسحاق نفسه ـ :
«… فما فضله الذي قصدت له الساعة ؟ قلت قول الله عزّ وجلّ : ( ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا )(5) فنسبه إلى صحبته.
قال : يا إسحاق أمّا إنّي لا أحملك على الوعر من طريقك ، إنّي وجدت الله تعالى نسب إلى صحبة من رضيه ورضي عنه كافراً ، وهو قوله : ( قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثمّ من نطفة ثمّ سوّاك رجلا * لكنّا هو الله ربّي ولا أشرك بربّي أحداً )(6) .
قلت : إن ذلك كان صاحباً كافراً ، وأبو بكر مؤمن.
قال : فإذا جاز أن ينسب إلى صحبة من رضيه كافراً ، جاز أن ينسب إلى صحبة نبيّه مؤمناً ، وليس بأفضل المؤمنين ولا الثاني ولا الثالث.
قلت : يا أمير المؤمنين ، إنّ قدر الآية عظيم.. إنّ الله يقول : ( ثاني اثنين إذ همافي الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ الله معنا ).
قال : يا إسحاق ، تأبى الآن إلاّ أن أخرجك إلى الاستقصاء عليك ; أخبرني عن حزن أبي بكر ، أكان رضاً أم سخطاً ؟
قلت : إنّ أبا بكر إنّما حزن من أجل رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم خوفاً عليه وغمّاً أن يصل إلى رسول الله شيء من المكروه.
قال : ليس هذا جوابي . إنّما كان جوابي أن تقول رضاً أم سخطٌ .
قلت : بل كان رضاً لله.
قال : وكان الله جلّ ذكره بعث إلينا رسولاً ينهى عن رضا الله عزّ وجلّ وعن طاعته ؟!
قلت : أعوذ بالله.
قال : أو ليس قد زعمت أن حزن أبي بكر رضاً لله ؟!
قلت : بلى.
قال : أولم تجد أنّ القرآن يشهد أنّ رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم قال : لا تحزن. نهياً له عن الحزن ؟!
قلت : أعوذ بالله !
قال : يا إسحاق ، إن مذهبي الرفق بك ، لعلّ الله يردّك إلى الحقّ ويعدل بك عن الباطل، لكثرة ما تستعيذ به.
وحدّثني عن قول الله : ( فأنزل الله سكينته عليه ) من عني بذلك رسول الله أم أبوبكر ؟
قلت : بل رسول الله.
قال : صدقت.
قال فحدّثني عن قول الله عزّ وجلّ ( ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم ) إلى قوله : ( ثمّ أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين )(7) أتعلم من المؤمنين الّذين أراد الله في هذا الموضع ؟
قلت : لا أدري يا أمير المؤمنين.
قال : الناس جميعاً انهزموا يوم حنين ، فلم يبق مع رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم إلاّ سبعة نفر من بني هاشم ، عليّ يضرب بسيفه بين يدي رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم ، والعبّاس آخذ بلجام بغلة رسول الله ، والخمسة محدقون به خوفاً من أن يناله من جراح القوم شيء ، حتّى أعطى الله لرسوله الظفر ، فالمؤمنون في هذا الموضع عليّ خاصةً ثمّ من حضره من بني هاشم.
قال : فمن أفضل ؟ من كان مع رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم في ذلك الوقت ، أم من انهزم عنه ولم يره الله موضعاً لينزلها عليه ؟
قلت : بل من أنزلت عليه السكينة.
قال : يا إسحاق ، من أفضل ؟ من كان معه في الغار ، أم من نام على فراشه ووقاه بنفسه حتّى تمّ لرسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم ما أراد من الهجرة ؟
إنّ الله تبارك وتعالى أمر رسوله أن يأمر عليّاً بالنوم على فراشه وأن يقي رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم بنفسه . فأمره رسول الله صلّى الله عليه ]وآله[ وسلّم بذلك ، فبكى عليّ ـ رضي الله عنه ـ ، فقال له رسول الله : ما يبكيك يا عليّ ؟! أجزعاً من الموت ؟!
قال : لا ، والذي بعثك بالحقّ يا رسول الله ، ولكن خوفاً عليك ، أفتسلم يا رسول الله ؟
قال : نعم.
قال : سمعاً وطاعة وطيبة نفسي بالفداء لك يا رسول الله.
ثمّ أتى مضجعه واضطجع وتسجّى بثوبه. وجاء المشركون من قريش فحفّوا به لا يشكّون أنّه رسول الله ، وقد أجمعوا أن يضربه من كلّ بطن من بطون قريش ضربةً بالسيف لئلاّ يطلب الهاشميّون من البطون بطناً بدمه وعليّ يسمع ما القوم فيه من تلاف نفسه ، ولم يدعه ذلك إلى الجزع كما جزع صاحبه في الغار.
ولم يزل عليّ صابراً محتسباً ، فبعث الله ملائكته فمنعته من مشركي قريش ، حتّى أصبح ،فلما أصبح قام ، فنظر القوم إليه ، فقالوا : أين محمّد ؟! قال : وما علمي بمحمّد أين هو ! قالوا : فلا نراك إلاّ مغرراً بنفسك منذ ليلتنا.
فلم يزل عليّ أفضل ، ما بدا به يزيد ولا ينقص ، حتّى قبضه الله إليه »(8) .
وأمّا الآية الأخرى ، فقد ذكرنا في تعليقة « المواقف » في الجواب عن الاستدلال بها وجوهاً :
الأوّل : إنّ نزولها في أبي بكر غير متّفق عليه بين المفسّرين من أهل السُنّة ، وحتّى كونه قول أكثر المفسّرين غير ثابت ، وإن جاء ذلك في شرح المواقف(9) .
ومن المفسّرين من حمل الآية على العموم ، ومنهم من قال بنزولها في قصّة أبي الدحداح وصاحب النخلة ، كما ذكر السيوطي(10) .
والثاني : إنّ رواة نزولها في حقّ أبي بكر ما هم إلاّ آل الزبير ، وهؤلاء قوم منحرفون عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام ومعروفون بذلك.
والثالث : إنّ سند خبر نزولها في أبي بكر غير معتبر ، قال الحافظ الهيثمي :
« وعن عبدالله بن الزبير ، قال : نزلت في أبي بكر الصدّيق : ( وما لأحد عنده من نعمة تجزى * إلاّ ابتغاء وجه ربّه الأعلى * ولسوف يرضى )(11) .
رواه الطبراني ، وفيه : مصعب بن ثابت. وفيه ضعف »(12) .
قلت :
وهذا الرجل هو : مصعب بن ثابت بن عبد الله بن الزبير ; ولاحظ الكلمات في تضعيفه بترجمته(13) .
هذا بالنسبة إلى أبي بكر.
وأمّا عمر وعثمان ، فلم يزعموا نزول شيء فيهما من القرآن…
5 ـ بل لو تتبّعت كتبهم في مختلف العلوم لوجدت للقوم مثالب في القرآن الكريم ، ونحن الآن في غنىً عن التعرّض لمثل هذه الأمور ، غير أنّا نشير إلى أن نزول قوله تعالى ( يا أيّها النبيّ لم تحرّم ما أحلّ الله لك تبتغي مرضات أزواجك واللهغفور رحيم * قد فرض الله لكم تحلّة إيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم * وإذ أسرّ النبيّ إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرّف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبّأها به قال من أنبأك هذا قال نبّأني العليم الخبير * إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإنّ الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير * عسى ربّه إن طلقّكنّ أن يبدله أزواجاً خيراً منكنّ مسلمات مؤمنات… )(14) في عائشة وحفصة مذكور في أشهر كتب القوم من الصحاح وغيرها ، فراجع إن شئت :
مسند أحمد بن حنبل 1 : 55/222 .
صحيح البخاري : كتاب النكاح ، باب في موعظة الرجل ابنته 3 : 459/5191 .
صحيح البخاري : كتاب التفسير ، بتفسير الآية : ( تبتغي مرضات أزواجك )3 : 359/4913 .
صحيح مسلم : كتاب الطلاق ، باب في الإيلاء واعتزال النساء 2 : 642/1479 .
صحيح الترمذي 5 : 345/3318 .
صحيح النسائي 2 : 72/2442 .
وفي هذا القدر كفاية ، لتعلم أن القصّة التي أوردها الشيخ محسن الكاشاني مذكورة في كتبهم ، ولتعرف من المتقوّل المفتري !!
وبعد المقدّمة ، وقبل الورود في ( تشييد المراجعات ) نقول :
لقد كان ابن تيميّة ـ كما أشرنا من قبل ـ قدوةً للمكابرين من بعده ، فهم متى ما أعوزهم الدليل ، وعجزوا عن المناقشة ، لجأوا إلى كلماته المضطربة المتهافتة ، التي لا علاقة لها بالمطلب ، ولا أساس لها من الصحّة… ومن ذلك هذا المورد ، وبيان ذلك بإيجاز هو :
إنّ المقام ليس مقام البحث عن المناهج التفسيرية عند هذه الفرقة أو تلك ، وإنّماالمقصود ذكر الأخبار والأقوال الواردة في كتب أهل السُنّة المعروفة ، في طائفة من آيات الكتاب النازلة في حقّ أمير المؤمنين وأهل البيت عليهم السلام… فهذا هو المقصود.
وأمّا أنّ منهج الشيعة في التفسير ما هو ؟ ومنهج غيرهم ما هو ؟ وأيّ منهما هو الصحيح ؟ فتلك بحوث تطرح في محلّها.
ثمّ إنّ للشيعي أن يقول نفس هذا الكلام الذي قاله القائل ، فيقول : « إنّ الدارس للفِرق والمذاهب… ولكنّ الفرق بين أصحاب الآراء الصحيحة التي لا تخالف الأصول الإسلاميّة ، وبين غيرهم من أصحاب المذاهب المبتدعة… ».
لكن من هم « أصحاب الآراء الصحيحة » ؟! ومن هم « أصحاب المذاهب المبتدعة » ؟!
فنحن نقول : إن « أصحاب الآراء الصحيحة » في فهم القرآن الكريم ، هم أتباع الأئمّة الطاهرين من أهل البيت ، كالإمامين الباقر والصادق عليهما السلام…
وإنّ « أصحاب المذاهب المبتدعة » هم : عكرمة البربري… وأمثاله.
وسنفصّل الكلام في التعريف بعكرمة وأمثاله على ضوء كلمات أهل السُنّة.
وعلى الجملة : فإن السيّد ـ رحمه الله ـ لم يستدلّ في بحوثه هذه بالآيات الكريمة على« منهج الشيعة في التفسير » ، وإنّما استدلّ بروايات أهل السُنّة وأقوال مفسرّيهم المشاهير على ما هو « منهج البحث والمناظرة ».
وتعرّض هذا القائل هنا لمسألة « تحريف القرآن ».. وهذه أيضاً لا علاقة لها بالبحث ، وإنّما الغرض من ذكرها هنا تشويش ذهن القارئ وتشويه مذهب الشيعة ، ونحن نحيل القارئ المنصف إلى كتابنا المطبوع المنتشر في الموضوع وهو : « التحقيق في نفي التحريف عن القرآن الشريف »(15) ليظهر له رأينا في المسألة ، ويتبيّن له من القائل بالتحريف !
فلنشرع في ( تشييد المراجعات ) : في ( حجج الكتاب) :
(1) شرح المواقف 8 : 354 .
(2) سورة الليل 92 : 17 و18 .
(3) شرح المواقف 8 : 365 ـ 366 .
(4) تاريخ الخلفاء : 245 ـ 246 .
(5) سورة التوبة 9 : 40 .
(6) سورة الكهف 18 : 37 و38 .
(7) سورة التوبة 9 : 25 و26 .
(8) العقد الفريد 5 : 98 ـ 99 .
(9) شرح المواقف 8 : 366 .
(10) الدرّ المنثور 8 : 532 .
(11) سورة الليل 92 : 19 ـ 21 .
(12) مجمع الزوائد 9 : 50 .
(13) تهذيب التهذيب 10 : 144 .
(14) سورة التحريم 66 : 1 ـ 5 .
(15) نشر أوّلا في حلقات في مجلة تراثنا ، في الأعداد 6 ـ 14 ، ثمّ نشرته مؤسسة دار القرآن الكريم في 371 صفحة ، ولعلّه خير كتاب أخرج للناس في موضوعه.