(3) تأمّلات في لفظ الخبر و مدلوله
قد عرفت أنّ الخبر بلفظ «الثَقَلَين» وما شابهه لا أصل له، إذ لا أثر للوصيّة بالكتاب والسُنّة بلفظ «الثقلين» ونحوه، لا في الصحاح ولا في المسانيد، وأنّ الأخبار الواردة في بعض الكتب ـ وعمدتها «الموطّأ» و«المستدرك» ـ لا أساس لها من الصحّة . . . لا سيّما ما جاء ـ في شاذٍّ منها ـ من أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال ذلك في خطبته في حجّة الوداع.
وأغلب الظنّ أنّ الغرض من وضع هذا الخبر بهذه الألفاظ هو المقابلة والمعارضة به لحديث الثَقَلَين المتّفق عليه بين المسلمين، المقطوع بصدوره عن رسول ربّ العالمين، الذي قاله في غير ما موقف ومن أشهرها حجّة الوداع في خطبته المعروفة، حيث أوصى الأُمّة بالكتاب والعترة، وأمر باتّباعهما، وحذّر من مخالفتهما، وأكّد على أنّ الأُمّة سوف لن تضلّ ما دامت متمسّكَةً بهما، وأنّهما لن يتفرّقا حتى يردا عليه الحوض.
هذا الحديث الذي من رواته: مسلم بن الحجّاج، وأحمد بن حنبل، والترمذي، وأبو داود، وابن ماجة، والنسائي، والحاكم، والطبري، والطبراني . . . المئات من الأئمّة والحفّاظ في القرون المختلفة، يروونه عن أكثر من ثلاثين صحابيّ وصحابيّة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بطرق كثيرة أفرد بعض كبار العلماء كتباً لجمع طرقه.
هذا الحديث الذي يدلّ بوضوح على وجوب اتّباع الأُمّة أئمّة العترة من أهل البيت عليهم السلام في جميع شؤونهم الدينية والدنيويّة.
ولثبوت هذا الحديث سنداً ووضوح دلالته على إمامة أهل البيت، نجد بعض المتعصّبين يحاولون عبثاً الخدشة في سنده أو دلالته، أو تحريف لفظه ومتنه، ومنهم من التجأ إلى وضع خبر الوصيّة بالكتاب والسُنّة بعنوان «الثقلين» زعماً منه بأنّه سيعارض حديث الثقلين المقطوع الصدور . . . وقد بيّنّا ـ والحمد للّه ـ أنّ الخبر موضوع مصنوع.
وعلى فرض أنْ يكون للخبر أصل . . . فإنّه ليس هناك أيّ منافاة بين الوصيّة بالكتاب والسُنّة، والوصيّة بالكتاب والعترة . . . إذْ لا خلاف بين المسلمين في وجوب الالتزام والعمل بالكتاب والسُنّة النبويّة الشريفة . . . غير إنّ حديث (الكتاب والعترة) مفاده وجوب أخذ السُنّة من العترة النبويّة لا من غيرهم، وهذا هو الذي فهمه علماء الحديث وشرّاحه، ومن هنا نرى المتّقي الهندي ـ مثلاً ـ يورد كِلا الحديثين تحت عنوان الباب الثاني: في الاعتصام بالكتاب والسُنّة، كما لا يخفى على من راجعه.
هذا موجز الكلام على هذا الخبر، وصلى اللّه على محمّد وآله الطاهرين والحمد اللّه ربّ العالمين.
* * *