بسم اللّه الرحمن الرحيم
الحمد للّه ربّ العالمين، والصّلاة والسلام على محمّد وآله الطاهرين، ولعنة اللّه على أعدائهم أجمعين من الأولين والآخرين.
وبعد . . .
فإنّ السنّة النبوية وأخبار الرسول الكريم وأصحابه، وحوادث صدر الإسلام . . . المنعكسة في كتب الحديث والتواريخ والسِّيَر . . . بحاجة ماسّة إلى التحقيق والتمحيص والدراسة العميقة الدقيقة . . . لِما لها من الأهمّيّة الفائقة في حياتنا العقائدية والعملية . . . تحقيقاً وتمحيصاً بعيداً عن الأغراض والتعصّبات والأهواء والانحيازات . . . وهذه هي أُولى الخطوات الواجب اتّخاذها في سبيل خدمة تراثنا، وإحيائه ونشره . . ..
لقد ولّت عصور التعصّب، وتفتّحت العيون، وتنوّرت الأفكار، وتوفّرت الإمكانيات، وانتشرت الكتب . . . فلا يسعنا التهاون في هذا الواجب ثم إلقاء عبء القيام به على الآخرين، أو القول بصحّة كلّ ما جاء في هذا الكتاب أو ذاك من كتب الأقدمين . . ..
صحيح أنّ المحدِّثين لم يدوِّنوا جميع ما رووه ووعوه، بل أودعوا في «المصنَّفات» و«الصحاح» و«السنن» و«المسانيد» و«المعاجم» . . . ما توصّلوا باجتهادهم إلى ثبوته ونقّحوه وصحّحوه . . . لكنّ ذلك لا يغنينا عن النظر في أحاديثهم، ولا يكون عذراً لنا ما دمنا غير مقلّدين لهم في آرائهم . . ..
وحديث خِطبة أمير المؤمنين عليه السلام ابنة أبي جهل على حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وعنده الزهراء الطاهرة سلام اللّه عليها من أوضح الشواهد وأتمّ المصاديق لما ذكرنا . . ..
لقد راجعنا هذا الحديث المتعلّق بالنبي والإمام والزهراء . . . في جميع مظانّه، ولاحظنا أسانيده ومتونه، فتدبّرنا في أحوال رواته على ضوء كلمات أعلام الجرح والتعديل، وأمعنّا النظر في مدلوله على أساس القواعد المقرّرة في كتب علوم الحديث . . . وبالاستناد إلى ما ذكره المحقّقون من شرّاح الأخبار . . . فوجدناه حديثاً موضوعاً، وقضيّةً مختلَقة، وحكايةً مفتعلة . . . يقصد من ورائه التنقيص من النبي في الدرجة الأُولى، ثم من عليّ والصدّيقة الكبرى . . ..
إنّه حديث اتّفقوا على إخراجه في الكتب . . . لكنّه ممّا يحب إخراجه من السُنّة!!
هذه نتيجة التحقيق الذي قمت به حول هذا الحديث، الذي لم أقف على من بحث حوله كما بحثت، وما توفيقي إلاّ باللّه وعليه توكّلت . . . وإليك التفصيل:
(1)
مُخرِّجوا الحديث وأسانيده
قد أشرنا إلى أنّ الحديث متّفق عليه، لا بين البخاري ومسلم فحسب، بل بين أرباب الكتب الستّة كلّهم . . . وأخرجه أيضاً أصحاب المسانيد والسنن . . . وغيرهم، ممّن تقدّم عليهم وتأخّر عنهم . . . إلاّ القليل منهم.
ونحن نستعرض أوّلاً ما ورد في أهمّ الكتب الموصوفة بالصحّة عندهم، ثم ما أخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين، ثم نتبعه بما رواه الآخرون.