نقد السند:
1 ـ هذه أشهر طرق هذا الحديث عن حذيفة بن اليمان، ويرى القارئ الكريم أنّها جميعاً تنتهي إلى:
ـ «عبدالملك بن عمير» وهو رجلٌ مدلِّس، ضعيفٌ جدّاً، كثير الغلط، مضطرب الحديث جدّاً:
قال أحمد: «مضطرب الحديث جدّاً مع قلّة روايته، ما أرى له خمسمائة حديث، وقد غلط في كثير منها»(1).
وقال إسحاق بن منصور: «ضعّفه أحمد جدّاً»(2).
وقال أحمد أيضاً: «ضعيف يغلط»(3).
أقول: فمن العجيب جدّاً رواية أحمد في مسنده حديث الاقتداء وغيره عن هذا الرجل الذي يصفه بالضعف والغلط، وقد جَعَلَ المسند حجّةً بينه وبين اللّه!!
وقال ابن معين: «مخلط»(4).
وقال أبو حاتم: «ليس بحافظ، تغيّر حفظه»(5).
وقال أيضاً: «لم يوصف بالحفظ»(6).
وقال ابن خراش: «كان شعبة لا يرضاه»(7).
وقال الذهبيّ: «وأمّا ابن الجوزي فذكره، فحكى الجرح وما ذكر التوثيق»(8).
وقال السمعاني: «كان مدلّساً»(9).
وكذا قال ابن حجر العسقلاني(10).
وعبدالملك ـ هذا ـ هو الذي ذَبَح عبداللّه بن يقطر أو قيس بن مسهر الصيداوي وهو رسول الحسين عليه السلام إلى أهل الكوفة، فإنّه لمّا رمي بأمر ابن زياد من فوق القصر وبقي به رمق، أتاه عبدالملك بن عمير فذبحه، فلمّا عيب ذلك عليه قال: «إنّما أردت أن أُريحه»(11)!
2 ـ ثمّ إنّ (عبدالملك بن عمير) لم يسمع هذا الحديث من (ربعي بن حراش) و(ربعي) لم يسمع من (حذيفة بن اليمان) . . . ذكر ذلك المناوي حيث قال: «قال ابن حجر: اختلف فيه على عبدالملك، وأعلّه أبو حاتم، وقال البزّار كابن حزم: لا يصحّ. لأنَّ عبدالملك لم يسمعه من ربعي، وربعي لم يسمعه من حذيفة. لكن له شاهد اهـ »(12).
قلت: الشاهد إن كان حديث ابن مسعود كما هو صريح الحاكم والمناوي فستعرف ما فيه.
وإن كان حديث حذيفة بسند آخر عن ربعي، فهو ما رواه الترمذي بقوله:
«حدّثنا سعيد بن يحيى بن سعيد الاُموي، حدّثنا وكيع، عن سالم بن العلاء المرادي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش، عن حذيفة، قال: كنّا جلوساً عند النبيّ صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم فقال: إنّي لا أدري ما بقائي فيكم، فاقتدوا باللّذين من بعدي، وأشار إلى أبي بكر وعمر»(13).
ورواه ابن حزم بقوله:
«وأخذناه أيضاً عن بعض أصحابنا، عن القاضي أبي الوليد بن الفرضي، عن ابن الدَّخيل، عن العقيلي، ثنا محمّد بن إسماعيل، ثنا محمّد بن فضيل، ثنا وكيع، ثنا سالم المرادي، عن عمرو بن هرم، عن ربعي بن حراش وأبي عبداللّه ـ رجل من أصحاب حذيفة ـ عن حذيفة»(14).
وفي سند هذا الحديث:
1 ـ «سالم بن العلاء المرادي» وعليه مداره:
قال ابن حزم بعد أن روى الحديث كما تقدّم: «سالم ضعيف».
وفي: «ميزان الإعتدال»: «ضعّفه ابن معين والنسائي»(15).
وفي «الكاشف»: «ضعّف»(16).
وفي «تهذيب التهذيب»: «قال الدوري عن ابن معين: ضعيف الحديث»(17).
وفي «لسان الميزان»: «وذكره العقيلي . . . وضعّفه ابن الجارود»(18).
2 ـ «عمرو بن هرم» وقد ضعَّفه يحيى القطّان(19).
3 ـ «وكيع بن الجرّاح» وهو مقدوح(20).
ثم إنّ في سند الحديث عن حذيفة في أكثر طرقه «مولى ربعي بن حراش» وهو مجهول كما نصَّ عليه ابن حزم.
وقد سُمّي هذا المولى في بعض الطرق بـ«هلال» وهو أيضاً مجهول، قال ابن حزم:
«وقد سمّى بعضهم المولى فقال: هلال مولى ربعي، وهو مجهول لا يعرف من هو أصلاً»(21).
(1) تهذيب التهذيب 6 / 360 وغيره.
(2) تهذيب التهذيب 6 / 360 ميزان الاعتدال 4 / 406.
(3) ميزان الاعتدال 4 / 406.
(4) ميزان الاعتدال 4 / 406 تهذيب التهذيب 6 / 360.
(5) ميزان الاعتدال 4 / 406.
(6) تهذيب التهذيب 6 / 360.
(7) ميزان الاعتدال 4 / 406.
(8) ميزان الاعتدال 4 / 406.
(9) الأنساب 4 / 444.
(10) تقريب التهذيب 1 / 618.
(11) تلخيص الشافي 3 / 33 ـ 35، روضة الواعظين: 177 ـ 178، مقتل الحسين: 186.
(12) فيض القدير 2 / 72 ـ 73.
(13) سنن الترمذي 5 / 375 كتاب المناقب باب في مناقب أبي بكر وعمر كليهما الرقم 3683.
(14) الإحكام في أصول الأحكام 6 / 809 .
(15) ميزان الاعتدال 3 / 166.
(16) الكاشف 1 / 297.
(17) تهذيب التهذيب 3 / 383.
(18) لسان الميزان 3 / 8 .
(19) ميزان الاعتدال 5 / 349.
(20) ميزان الاعتدال 7 / 127.
(21) الإحكام في اُصول الأحكام 6 / 809 .