معنى سُنّة الخلفاء:
قال ابن فارس: «وممّا كرهه العلماء قول من قال: سُنّة أبي بكر وعمر، إنّما يقال: فرض اللّه جلّ وعزّ وسنته وسنة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم»(1).
قلت: وجه كراهية العلماء ذلك واضح، لأنْ كلمة «السُنّة» أصبحت في عرف المتشرّعة مختصّةً بما عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قولاً وفعلاً وتقريراً، لأنّه الحجّة بعد الكتاب، حيث يقال: الكتاب والسُنّة، لكنّهم كرهوا هذا القول مع كون حديث «عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين» بمرأىً منهم ومشهد، فإن كانوا في شكّ من صدور الحديث عن النبيّ فلا بحث، وإلاّ فبم يفسّرونه؟!
هنا مشاكل:
1 ـ لقد ذكرنا أنّ «السُنّة» في اللغة بمعنى «الطريقة»، وهي بنفس المعنى في الشريعة بالنسبة إلى «سُنّة النبي» صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فهل تفسَّر «سُنّة الخلفاء» بنفس المعنى كذلك؟!
2 ـ لقد عطف صلّى اللّه عليه وآله وسلّم «سُنّة الخلفاء» على «سُنّته» وظاهر العطف هو المغايرة بين السُنّتين، فما معنى هذه المغايرة؟! وكيف يأمر صلّى اللّه عليه وآله وسلّم اتّباع سُنّتهم المغايرة لسُنّته؟!
3 ـ أمره باتّباع سُنّتهم مطلق غير مقيّد كما هو الحال في وجوب اتّباع سُنّته، وهكذا أمر يقتضي عصمة المتبوع بلا ريب، أمّا النبي فمعصوم بالإجماع، وأمّا الخلفاء فليس كلّهم بمعصوم بالإجماع، فكيف يؤمر ـ أمراً مطلقاً ـ باتّباع المعصوم وغير المعصوم معاً؟!
هذه مشاكل حار القوم في حلّها . . . واضطربوا اضطراباً شديداً تجاهها . . .
قال الشوكاني: «إنّ أهل العلم قد أطالوا الكلام في هذا وأخذوا في تأويله بوجوه أكثرها متعسِّفة».
(1) الصاحبي في فقه اللغة: 60.