لا دلالة للاستخلاف في إمامة الصلاة على الإمامة العامّة:
وعلى فرض صحّة حديث أمر النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أبا بكر بالصلاة في مقامه . . . فإنّه لا دلالة لذلك على الإمامة الكبرى والخلافة العظمى . . . لأنّ النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان إذا خرج عن المدينة ترك فيها من يصلّي بالناس . . . بل إنّه استخلف ـ فيما يروون ـ ابن أُمّ مكتوم للإمامة وهو أعمى، وقد عقد أبو داود في «سننه» باباً بهذا العنوان، فروى فيه هذا الخبر . . . وهذه عبارته: «باب إمامة الأعمى ـ حدّثنا محمّد بن عبدالرحمن العنبري أبو عبداللّه، ثنا ابن مهدي، ثنا عمران القطّان، عن قتادة، عن أنس: أنّ النبي صلّى اللّه عليه ]وآله [وسلّم استخلف ابن أُمّ مكتوم يؤمّ الناس وهو أعمى»(1) . . . فهل يقول أحد بإمامة ابن أُمّ مكتوم لأنّه استخلفه في الصلاة؟!
ولقد اعترف بما ذكرنا ابن تيميّة ـ الملقب بـ«شيخ الإسلام» ـ حيث قال: «فالاستخلاف في الحياة نوع نيابة لابدّ منه لكلّ وليّ أمر، وليس كلّ ]من[ يصلح للاستخلاف في الحياة على بعض الأمّة يصلح أنْ يستخلف بعد الموت، فإنّ النبي صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم استخلف في حياته غير واحد، ومنهم من لا يصلح للخلافة بعد موته، كما استعمل ابن أُمّ مكتوم الأعمى في حياته وهو لا يصلح للخلافة بعد موته، وكذلك بشير بن ]عبد[المنذر وغيره»(2).
بل لقد رووا أنّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم صلّى خلف عبدالرحمن بن عوف، وهو ـ لو صحّ ـ لم يدلّ على استحقاقه الخلافة من بعده، ولذا لم يدّعها أحد له . . . لكنّه حديث باطل لمخالفته للضرورة القاضية بأنّ النبي لا يصلّي خلف أحد من أُمّته . . . فلا حاجة إلى النظر في سنده.
وعلى الجملة، فإنّه لا دلالة لحديث أمر أبي بكر بالصلاة، ولا لحديث صلاته صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خلفه حتّى لو تمّ الحديثان سنداً . . .
وأمّا سائر الدلالات الاعتقادية منها والفقهية والأُصولية . . . التي يذكرونها مستفيدين إيّاها من حديث الأمر بالصلاة في الشروح والتعاليق . . . فكلّها متوقّفة على ثبوت أصل القضية وتماميّة الأسانيد الحاكية لها . . . وقد عرفت أنْ لا شيء من تلك الأسانيد بصحيح، فأمره صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في مرضه أبا بكر بالصلاة في موضعه غير ثابت . . .
(1) سنن أبي داود 1 / 203 كتاب الصلاة باب إمامة الأعمى الرقم 595.
(2) منهاج السُنّة 7 / 339.