كلمة المؤلّف
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
الحمد للّه ربّ العالمين والصّلاة والسلام على سيّدنا محمّد وآله الطاهرين.
وبعد
فإنّ في الثقافة الإسلاميّة قضايا فقهية وتفسيرية وحديثيّة وتأريخيّة، دخلت علم الكلام واتّخذت طابع المباحث الاعتقادية، لسبب أو لآخر من الأسباب الداعية إلى ذلك.
فالمسح على الرجلين أو غسلهما في الوضوء حكم شرعي عملي، إلاّ أنّه ورد علم الكلام باعتباره قضيّة تدخّلت فيها السياسة في صدر الإسلام ولأغراض معينة، وكذا مسألة تحريم المتعتين، والأذان الثالث في يوم الجمعة . . . وهكذا أمثالها . . . وحتّى لو لم يكن هناك أيّ غرض سياسي خاصّ، فإنّ المفروض أن يكون الخليفة حافظاً للشريعة، وهل له أن يزيد فيها أو ينقص منها شيئاً؟ فهذا بحث يتعلّق بشؤون الخليفة وحدود صلاحيّاته في الإسلام، وهو بحث عقائدي كلامي، له آثاره المهمّة كما لا يخفى.
والصحبة لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ومعاشرته شرف لا ينكر، أما أن تستلزم الصحبة عدالة كلّ واحد من الصحابة، وحجّيّة قوله، وشرعيّة اجتهاداته، فهذا أمر جدير بالبحث والتحقيق عن أدلّته كتاباً وسنّةً . . .
وقضيّة أنّ صلاة أبي بكر في مكان النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في أيام مرضه، كانت بأمر منه أو لا؟ قضيّة تاريخيّة، لكنّها تدخل في دائرة البحوث العقائديّة وتحسب من صميمها، لاستدلال كثير من القوم بها على إمامة أبي بكر وخلافته بعد الرسول.
وكذلك أنّ عليّاً عليه السلام خطب ابنة أبي جهل أو لا؟ فتلك أيضاً قضيّة تأريخيّة خاصّة، لكن لمّا أراد بعض النواصب أن يتخذ من هذا الخبر المفتعل ذريعة للطعن في أمير المؤمنين ـ بل النبي والصدّيقة الطاهرة ـ فقد أصبح البحث عنها بحثاً عن قضيّة لها ارتباط وثيق بالعقائد ومسألة الإمامة.
وفي التفسير أيضاً مسائل وقضايا من هذا القبيل، فمثلاً نجد القرآن الكريم يؤكّد في سُوَرِه المكيّة على وجود المنافقين والذين في قلوبهم مرض، في صفوف المسلمين . . . وهذا ما يدعو الباحثين المحقّقين إلى التأمّل في تفسير تلك الآيات، ومعرفة المنافقين من بين الأوائل من المسلمين، وانعكاس نتيجة مثل هذا البحث على العقائد ـ وكذا الأحكام ـ ومدى تأثيرها فيها أمر واضح.
ثم إنّ في السنّة النبويّة أحاديث كثيرة جدّاً، يستدلّ بها كلّ طرف من أطراف النزاع باعتبارها أدلّة على الأفضليّة أو نصوصاً في الإمامة والخلافة بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ومن هنا فقد بذل أئمّة الفرق المختلفة غاية جهودهم لتصحيح تلك الأحاديث وإثبات نصوصيّتها على إمامة من يرون إمامته.
وفي هذه (الرسائل العشر) مجموعة من تلك الأحاديث البارزة، المطروحة في علم الكلام والعقائد، والمستند إليها في مسألة الإمامة، نقلناها عن (كتب السنّة) بأسانيدها، وأوردنا ما قاله الأئمّة عن متونها ومداليلها، وشرحنا مواضع الاستدلال بها، ثم بحثنا عنها على ضوء القواعد العلميّة المسلّمة، وحققّنا حال رجالها على ضوء كلمات أئمّة الجرح والتعديل، فظهر كونها من (الأحاديث الموضوعة) التي لا يجوز الاحتجاج بها بحال، بل يجب تنزيه السنّة الكريمة عنها.
وإني لاُهدي بحوثي هذه إلى كلّ محقّق منصف حرّ، ينشد الحقّ ويريد الوصول إليه ومعرفة الرجال به، عسى أن أكون قد أسهمت في تبيين الحقائق وتصحيح العقائد، على ضوء الكتاب والسنّة، وطبق الاُصول العلمية والقواعد المقرّرة لمثل هذه البحوث. واللّه من وراء القصد، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
علي الحسيني الميلاني
25 صفر / 1418