* حديث عبداللّه بن عمر:
وأمّا الحديث المذكور عن عبداللّه بن عمر، فالظاهر كونه عن عائشة كذلك، كما رواه مسلم، عن عبدالرزّاق، عن معمر، عن الزهري، عن حمزة بن عبداللّه بن عمر، عن عائشة . . . لكنّ البخاري رواه بسنده عن الزهري، عن حمزة، عن أبيه، قال: «لمّا اشتدّ برسول اللّه وجعه . . .».
وعلى كلّ حال فإنّ مدار الطريقين على:
محمّد بن شهاب الزهري وهو رجل مجروح عند يحيى بن معين(1) وعبدالحقّ الدهلوي، وكان من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين عليه السلام، ومن الرواة عن عمر بن سعد اللعين.
قال ابن أبي الحديد: «وكان الزهري من المنحرفين عنه عليه السلام، وروى جرير بن عبدالحميد عن محمّد بن شيبة قال: شهدت مسجد المدينة، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّاً عليه السلام فنالا منه. فبلغ ذلك عليَّ بن الحسين عليه السلام فجاء حتى وقف عليهما فقال: أمّا أنت يا عروة، فإنّ أبي حاكم أباك إلى اللّه فحكم لأبي على أبيك، وأمّا أنت يا زهريّ، فلو كنت بمكّة لأريتُك كير أبيك»(2).
وقال: «وروى عاصم بن أبي عامر البجلي، عن يحيى بن عروة، قال: كان أبي إذا ذكر عليّاً نال منه»(3).
ويؤكّد هذا سعيه وراء إنكار مناقب أمير المؤمنين عليه السلام، كمنقبة سبقه إلى الإسلام، قال ابن عبدالبرّ: «وذكر معمر في جامعه عن الزهري قال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبدالرزّاق: وما أعلم أحداً ذكره غير الزهري»(4).
وقال الذهبي بترجمة عمر بن سعد: «وأرسل عنه الزهري وقتادة. قال ابن معين: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟!»(5).
وقال العلاّمة الشيخ عبدالحقّ الدهلوي بترجمة الزهري من «رجال المشكاة»: «إنّه قد ابتلي بصحبة الأُمراء وبقلّة الديانة، وكان أقرانه من العلماء والزّهاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه، وكان يقول: أنا شريك في خيرهم دون شرّهم! فيقولون: ألا ترى ما هم فيه وتسكت؟!».
وقال ابن حجر بترجمة الأعمش: «وحكى الحاكم عن ابن معين أنّه قال: أجود الأسانيد: الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبداللّه. فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري؟! فقال: تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري؟! الزهري يرى العرض والإجازة ويعمل لبني أُميّة; والأعمش فقير، صبور، ومجانب للسلطان، ورع، عالم بالقرآن»(6).
ولأجل كونه من عمّال بني أُميّة ومشيّدي سلطانهم، كتب إليه الإمام السجّاد عليه السلام كتاباً يعظه فيه، جاء فيه: «إنّ ما كتمت، وأخفّ ما احتملت، أنْ آنست وحشة الظالم، وسهّلت له الطّريق الغيّ . . . جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسُلّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم، احذر، فقد نُبِّئت، وبادِر فقد أُجِّلْت . . .»(7).
ثمّ الكلام في عبداللّه بن عمر نفسه:
فإنّه ممّن امتنع عن بيعة أمير المؤمنين عليه السلام بعد عثمان، وقعد عن نصرته، وترك الخروج معه في حروبه، ولكنّه لمّا ولي الحجّاج بن يوسف الحجاز من قبل عبدالملك جاءه ليلاً ليبايعه فقال له: ما أعجلك؟! فقال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم يقول: من مات ولم يعرف إمام زمانه مات ميتة جاهلية!! فقال له: إنّ يدي مشغولة عنك ـ وكان يكتب ـ فدونك رجلي، فمسح على رجله وخرج!!
(1) هو من شيوخ البخاري ومسلم، ومن أئمّة الجرح والتعديل، اتّفقوا على أنّه أعلم أئمّة الحديث بصحيحه وسقيمه. توفّي سنة 233. ترجم له في: تذكرة الحفّاظ 2 / 429 وغيرها.
(2) شرح نهج البلاغة 4 / 102.
(3) شرح نهج البلاغة 4 / 102.
(4) الاستيعاب، ترجمة زيد بن حارثة 2 / 117.
(5) الكاشف 2 / 301.
(6) تهذيب التهذيب 4 / 204.
(7) ذكر الكتاب في: تحف العقول عن آل الرسول: 274 ـ 277، للشيخ ابن شعبة الحرّاني، من أعلام الإماميّة في القرن الرابع، وفي إحياء علوم الدين 2 / 143 بعنوان: «ولمّا خالط الزهري السلطان كتب أخ له في الدين إليه . . .»!، وفي بعض المصادر نسبته إلى أبي خازم.