ترجمة الزهري:
وهو من أشهر المنحرفين عن أمير المؤمنين وأهل بيته عليهم السلام، كان ينال منهم ويضع الأحاديث في الحطّ منهم وفي فضل غيرهم وتقديم غيرهم عليهم:
قال ابن أبي الحديد: «وكان الزهري من المنحرفين عنه عليه السلام. وروى جرير بن عبدالحميد، عن محمّد بن شيبة، قال: شهدتُ مسجد المدينة، فإذا الزهري وعروة بن الزبير جالسان يذكران عليّاً عليه السلام فنالا منه. فبلغ ذلك عليَّ بن الحسين عليه السلام، فجاء حتى وقف عليهما فقال: أمّا أنت يا عروة، فإنّ أبي حاكم أباك إلى اللّه فحكم لأبي على أبيك. وأمّا أنت يا زهري، فلو كنت بمكّة لأريتك كير أبيك».
وقال: «وروى عاصم بن أبي عامر البجلي، عن يحيى بن عروة، قال: كان أبي إذا ذكر عليّاً نال منه»(1).
وقال ابن عبدالبرّ: «وذكر معمر في جامعه عن الزهري قال: ما علمنا أحداً أسلم قبل زيد بن حارثة. قال عبدالرزّاق: وما أعلم أحداً ذكره غير الزهري»(2).
أي: هو كذب، فإنّ أوّل من أسلم هو أمير المؤمنين عليّ عليه السلام، لكنّ الزهري يريد إنكار هذه المنقبة أو إخفاها . . ..
هذا، وقد بلغ عداء الزهري لأهل البيت عليهم السلام حدّاً جعله يروي حتّى عن عمر بن سعد بن أبي وقّاص! . . . قال الذهبي:
«عمر بن سعد بن أبي وقّاص. عن أبيه. وعنه: إبراهيم وأبو إسحاق، وأرسل عنه الزهري وقتادة.
قال ابن معين: كيف يكون من قتل الحسين ثقة؟!»(3).
لكنّ الرجل كان من أعوان بني أُميّة وعمّالهم ومشيّدي سلطانهم، حتى جاء في ترجمته من «رجال المشكاة» للمحدّث الشيخ عبدالحقّ الدهلوي، ما نصّه: «إنّه قد ابتلي بصحبة الأُمراء بقلّة الديانة، وكان أقرانه من العلماء والزهّاد يأخذون عليه وينكرون ذلك منه، وكان يقول: أنا شريك في خيرهم دون شرّهم! فيقولون: ألا ترى ما هم فيه وتسكت؟!».
قال ابن خلّكان: «ولم يزل الزهري مع عبدالملك، ثم مع هشام بن عبدالملك، وكان يزيد بن عبدالملك قد استقضاه»(4).
وذكر الذهبي وصفه بـ«شرطيّ لبني اُميّة» تارةً واخرى بـ«صاحب شرط بني اُميّة»(5).
ومن هنا قدح فيه ابن معين، فقد: «حكى الحاكم عن ابن معين أنّه قال: أجود الأسانيد: الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبداللّه.
فقال له إنسان: الأعمش مثل الزهري.
فقال: تريد من الأعمش أن يكون مثل الزهري؟!
الزهري يرى العرض والإجازة ويعمل لبني أُميّة والأعمش فقير صبور، ومجانب للسلطان، ورع عالم بالقرآن»(6).
وبهذه المناسبة كتب إليه الإمام زين العابدين عليه السلام كتاباً يعظه فيه ويُذكِّره اللّه والدارَ الآخرة، وينبّهه على الآثار السيّئة المترتّبة على كونه في قصور السلاطين، ومن ذلك قوله:
«واعلم أنّ أدنى ما كتمت وأخفَّ ما احتملتَ أنْ آنستَ وحشةَ الظالم، وسهّلتَ له طريق الغيّ . . . أو ليس بدعائه إيّاك حين دعاك جعلوك قطباً أداروا بك رحى مظالمهم، وجسراً يعبرون عليك إلى بلاياهم، وسُلّماً إلى ضلالتهم، داعياً إلى غيّهم، سالكاً سبيلهم . . ..
إحذر، فقد نُبِّئت; وبادرْ، فقد أُجِّلت . . . ولا تحسب أنّي أردت توبيخك وتعنيفك وتعييرك، لكنّي أردت أنْ ينعش اللّه ما ]قد[ فات من رأيك، ويردّ إليك ما عزب من دينك . . ..
أما ترى ما أنت فيه من الجهل والغرّة، وما الناس فيه من البلاء والفتنة؟! . . ..
أمّا بعد، فأعرض عن كلّ ما أنت فيه حتى تلحق بالصالحين الّذين دُفنوا في أسمالهم، لاصقةً بطونهم بظهورهم . . ..
ما لك لا تنتبه من نعستك؟! وتستقيل من عثرتك! فتقول: واللّه ما قمتُ للّه مقاماً واحداً ما أحييت به له ديناً، أو أمَتُّ له فيه باطلاً . . .»(7).
* * *
(1) شرح نهج البلاغة 4 / 102.
(2) الاستيعاب ترجمة زيد بن حارثة 2 / 117.
(3) الكاشف ـ ترجمة عمر بن سعد 2 / 301.
(4) وفيات الأعيان ـ ترجمة الزهري 4 / 178.
(5) انظر: سير أعلام النبلاء 7 / 226 وميزان الاعتدال 1 / 625.
(6) تهذيب التهذيب ترجمة الأعمش 4 / 204.
(7) تحف العقول عن آل الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: 274 ـ 277، إحياء العلوم 2 / 143.