تحريم عمر:
وكانت متعة النساء ـ كمتعة الحجّ ـ حتّى وفاة النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وزمن أبي بكر، وفي شطر من خلافة عمر بن الخطّاب، حتّى قال:
«متعتان كانتا على عهد رسول اللّه وأنا أنهى عنهما وأُعاقب عليهما» وقد وردت قولته هذه في كتب الفقه والحديث والتفسير والكلام. أُنظر منها: تفسير الرازي 2 / 167، شرح معاني الآثار 374، سنن البيهقي 7 / 206، بداية المجتهد 1 / 346 المحلّى 7 / 107، أحكام القرآن ـ للجصّاص ـ 1 / 279، شرح التجريد للقوشجي الأشعري، تفسير القرطبي 2 / 370، المغني 7 / 527، زاد المعاد في هدي خير العباد 2 / 205، الدرّ المنثور 2 / 141، كنز العمّال 8 / 293، وفيات الأعيان 5 / 197.
ومنهم من نصّ على صحّته كالسرخسي، ومنهم من نصّ على ثبوته كابن قيّم الجوزية. وفي المحاضرات للراغب الأصبهاني: «قال يحيى بن أكثم لشيخ بالبصرة: بمن اقتديت في جواز المتعة؟ قال: بعمر بن الخطّاب. فقال: كيف هذا وعمر كان أشدّ الناس فيها؟! قال: لأنّ الخبر الصحيح قد أتى أنّه صعد المنبر فقال: إنّ اللّه ورسوله أحلاّ لكم متعتين وإنّي اُحرمهما عليكم وأُعاقب عليهما; فقبلنا شهادته ولم نقبل تحريمه».
وفي بعض الروايات: أنّ النهي كان عن المتعتين وَحيّ على خير العمل(1).
وعن عطاء، عن جابر بن عبداللّه: «استمتعنا على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم وأبي بكر وعمر، حتى إذا كان في آخر خلافة عمر استمتع عمرو بن حريث بامرأة ـ سمّاها جابر فنسيتها ـ فحملت المرأة، فبلغ ذلك عمر، فدعاها فسألها فقالت: نعم، قال من أشهد؟ قال عطاء: لا أدري قال: أُمّي أمْ وليّها. قال فهلاّ غيرها؟!
فذلك حين نهى عنها»(2).
ومثله أخبار أُخرى، وفي بعضها التهديد بالرجم(3).
فالذي نهى عن المتعة هو عمر بن الخطّاب . . ..
وفي خبر: أنّ رجلاً قدم من الشام، فمكث مع امرأة إلى ما شاء اللّه أن يمكث، ثمّ إنّه خرج، فأُخبر بذلك عمر بن الخطّاب، فأرسل إليه فقال: ما حملك على الذي فعلته؟ قال: فعلته مع رسول اللّه، ثمّ لم ينهانا عنه حتّى قبضه اللّه. ثمّ مع أبي بكر فلم ينهانا حتى قبضه اللّه، ثمّ معك، فلم تُحدث لنا فيه نهياً. فقال عمر: أما والذي نفسي بيده لو كنت تقدّمت في نهي لرجمتك»(4).
ومن هنا ترى أنّه في جميع الأخبار ينسبون النهي إلى عمر، يقولون: «فلمّا كان عمر نهانا عنهما» و«نهى عنها عمر» و«قال رجل برأيه ما شاء» ونحو ذلك، فلو كان ثمّة نهي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم لما كان لنسبة النهي وما ترتّب عليه من الآثار الفاسدة إلى عمر وجه كما هو واضح. وقد جاء عن أمير المؤمنين عليه السلام قوله: «لو لا أنّ عمر نهى عن المتعة ما زنى إلاّ شقي»(5) وعن ابن عبّاس: «ما كانت المتعة إلاّ رحمةً من اللّه تعالى رحم بها عباده، ولولا نهي عمر عنها ما زنى إلاّ شقي»(6).
ومن هنا جعل تحريم المتعة من أوّليّات عمر بن الخطّاب(7).
بل إنّ عمر نفسه يقول: «كانتا على عهد رسول اللّه، وأنا أنهى عنهما» فلا يخبر عن نهي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه ]وآله[ وسلّم، بل ينسب النهي إلى نفسه ويتوعّد بالعقاب. بل إنّه لم يكذّب الرجل الشامي لمّا أجابه بما سمعت، بل لمّا قال له: «ثمّ معك فلم تُحدِثْ لنا فيه نهياً» اعترف بعدم النهي مطلقاً حتى تلك الساعة. ولا يخفى ما تدلّ عليه كلمة «تحدث».
(1) كذا في شرح التجريد للقوشجي (مطاعن عمر): 484.
(2) صحيح مسلم 3 / 194 كتاب النكاح باب نكاح المتعة ذيل الرقم 1405، مسند أحمد 4 / 237، مسند جابر بن عبداللّه الرقم 13856، سنن البيهقي 7 / 388 كتاب الصداق باب ما يجوز أن يكون مهراً الرقم 14368 والقصة هذه في المصنف لعبدالرزاق 7 / 497 باب المتعة الرقم 14021.
(3) بل عنه أنّه قال: «لا أؤتى برجل تزوّج امرأةً إلى أجل إلاّ رجمته ولو أدركته ميّتاً لرجمت قبره المبسوط ـ للسرخسي 5 / 153.
(4) كنز العمّال 16 / 218 كتاب النكاح باب المتعة الرقم 45718.
(5) المصنّف ـ لعبد الرزّاق بن همام ـ 7 / 500 باب المتعة الرقم 14029، تفسير الطبري 5 / 19، الدرّ المنثور 2 / 251، تفسير الرازي 10 / 52.
(6) تفسير القرطبي 5 / 130. ومنهم من رواه بلفظ «شفى» أي قليل. أُنظر: النهاية 2 / 437 وتاج العروس 19 / 578 وغيرهما من كتب اللغة.
(7) تاريخ الخلفاء ـ للسيوطي ـ : 137.