المشكلة الثالثة:
قد ذكرنا أنّ الأمر المطلق بالإطاعة والمتابعة المطلقة دليل على عصمة المتبوع . . . وقد نصَّ على ذلك العلماء في نظائره، كقوله تعالى: (وَأَطيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي اْلأَمْرِ مِنْكُمْ)(1) قال الرازي بتفسيره ما نصّه:
«أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية، ومَن أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بُدّ وأنْ يكون معصوماً عن الخطأ، إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ، كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر اللّه بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأً منهيٌّ عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وإنّه محال.
فثبت أنّ اللّه تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كلّ من أمر اللّه بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً عن الخطأ»(2).
وفي هذا المقام أيضاً نبّه الغزّالي على ذلك، حيث قال بعد الحكم ببطلان الأقوال ـ في عبارته التي نقلناها آنفاً ـ ما نصّه:
«فإنّ من يجوز عليه الغلط والسهو ولم تثبت عصمته عنه فلا حجّة في قوله، فكيف يُحتجّ بقولهم مع جواز الخطأ؟!
وكيف تُدّعى عصمتهم من غير حجّة متواترة؟!
وكيف يتصوّر عصمة قوم يجوز عليهم الاختلاف؟!
وكيف يختلف المعصومان؟!
كيف وقد اتّفقت الصحابة على جواز مخالفة الصحابة، فلم ينكر أبو بكر وعمر على من خالفهما بالاجتهاد، بل أوجبوا في مسائل الاجتهاد على كلّ مجتهد أن يتّبع اجتهاد نفسه؟!
فانتفاء الدليل على العصمة، ووقوع الاختلاف بينهم، وتصريحهم بجواز مخالفتهم فيه، ثلاثة أدلّة قاطعة»(3).
أقول:
نعم، هي ـ وغيرها ممّا ذكرناه وممّا لم نذكره ـ أدلّة قاطعة على أنْ ليس «الخلفاء» في هذا الحديث مطلق الصحابة، ولا مطلق الخلفاء، ولا خصوص الأربعة مطلقاً . . ..
(1) سورة النساء: الآية 59 .
(2) التفسير الكبير 5 / 149.
(3) المستصفى 1 / 261 ـ 262.