أمّا الحديث عن الأسود عن عائشة:
فإنّ «الأسود» من المنحرفين عن أمير المؤمنين الإمام عليّ عليه السلام(1).
والراوي عنه في جميع الأسانيد المذكورة هو إبراهيم بن يزيد النخعي، وهو من أعلام المدلّسين . . . قال أبو عبداللّه الحاكم ـ في الجنس الرابع من المدلّسين: قوم دلّسوا أحاديث رووها عن المجروحين فغيّروا أساميهم وكناهم كي لا يعرفوا وقال:
«أخبرني عبداللّه بن محمّد بن حمويه الدقيقي، قال: حدّثنا جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، قال: حدّثني خلف بن سالم، قال: سمعت عدّة من مشايخ أصحابنا تذاكروا كثرة التدليس والمدلّسين، فأخذنا في تمييز أخبارهم، فاشتبه علينا تدليس الحسن بن أبي الحسن وإبراهيم بن يزيد النخعي، لأنّ الحسن كثيراً ما يدخل بينه وبين الصحابة أقواماً مجهولين، وربّما دلّس عن مثل عتى بن ضمرة وحنيف بن المنتجب ودغفل بن حنظلة وأمثالهم; وإبراهيم أيضاً يدخل بينه وبين أصحاب عبداللّه مثل هنى بن نويرة وسهم بن منجاب وخزامة الطائي وربّما دلّس عنهم»(2).
والراوي عن إبراهيم هو: «سليمان بن مهران الأعمش». و«الأعمش» معروف بالتدليس(3)، ذلك التدليس القبيح القادح في العدالة، قال السيوطي ـ في بيان تدليس التسوية ـ : «قال الخطيب: وكان الأعمش وسفيان الثوري يفعلون مثل هذا. قال العلائي: وبالجملة، فهذا النوع أفحش أنواع التدليس مطلقاً وشرّها. قال العراقي: وهو قادح فيمن تعمّد فعله. وقال شيخ الإسلام: لا شكّ أنّه جرح، وإن وصف به الثوري والأعمش فلا اعتذار . . .(4).
قال الخطيب: «التدليس للحديث مكروه عند أكثر أهل العلم، وقد عظّم بعضهم الشأن في ذمّه، وتبجّح بعضهم بالبراءة منه»(5).
ثمّ روى عن شعبة بن الحجّاج قوله: «التدليس أخو الكذب».
وعنه: «التدليس في الحديث أشدّ من الزنا».
وعنه: «لأنْ أسقط من السماء أحبّ إليَّ من أنْ أُدلّس».
وعن أبي أسامة: «خرّب اللّه بيوت المدلّسين، ما هم عندي إلاّ كذّابون».
وعن ابن المبارك: «لأن نخرّ من السماء أحبّ إليَّ من أنْ ندلّس حديثاً».
وعن وكيع: «نحن لا نستحلّ التدليس في الثياب فكيف في الحديث!».
فإذن: يسقط هذا الحديث، بهذا السند، الذي اتّفقوا في الرواية به، فلا حاجة إلى النظر في حال مَن قبل الأعمش من الرواة.
لكن مع ذلك، نلاحظ أنّ الراوي عن الأعمش عند البخاري وأحمد ـ في إحدى طرقهما ـ وعند مسلم والنسائي هو «أبو معاوية» وهذا الرجل أيضاً من المدلّسين:
قال السيوطي: «فائدة: أردت أنْ أسرد هُنا من رمي ببدعته ممّن أخرج لهم البخاري ومسلم أو أحدهما:
وهم: إبراهيم بن طهمان، أيّوب بن عائذ الطائي، ذرّ بن عبداللّه المرهبي، شبابة بن سوار، عبدالحميد بن عبدالرحمن . . . محمّد بن حازم أبو معاوية الضرير ورقاء بن عمر اليشكري . . . هؤلاء رموا بالأرجاء، وهو تأخير القول في الحكم على مرتكب الكبائر بالنار . . .»(6).
وذكر ابن حجر عن غير واحد أنّه كان مرجئاً خبيثاً، وأنّه كان يدعو إليه(7).
والراوي عن «الأعمش» عند ابن ماجة وأحمد في طريقه الأُخرى هو: وكيع ابن الجرّاح، وفيه: أنّه كان يشرب المسكر وكان ملازماً له(8).
ثمّ إنّ الراوي عن أبي معاوية في إحدى طرق البخاري هو: حفص بن غياث، وهو أيضاً من المدلّسين(9).
مضافاً، إلى أنّه كان قاضي الكوفة من قبل هارون، وقد ذكروا عن أحمد أنّه: «كان وكيع صديقاً لحفص بن غياث فلمّا وُلِّي القضاء هجره»(10).
(1) شرح النهج لابن أبي الحديد 4 / 97 ـ 98.
(2) معرفة علوم الحديث: 107 ـ 108.
(3) تقريب التهذيب 1 / 392.
(4) تدريب الراوي 1 / 188.
(5) الكفاية في علم الرواية: 355.
(6) تدريب الراوي 1 / 278 ـ 280.
(7) تهذيب التهذيب 9 / 117.
(8) تذكرة الحفّاظ 1 / 307 ـ 308، ميزان الاعتدال 7 / 127.
(9) تهذيب التهذيب 2 / 375.
(10) تهذيب التهذيب 11 / 111.