1 ـ آفات أهل الحديث:
قال ابن الجوزي: «إنّ اشتغالهم بشواذّ الحديث شغلهم عن القرآن… إن عبداللّه بن عمر بن أبان مشكدانة قرأ عليهم في التفسير: (ويعوق وبشراً) فقيل له: (ونسراً) فقال: هي منقوطة من فوق فقيل له: النقط غلط. قال: فارجع إلى الأصل.
قال الدارقطني: …سمعت أحمد بن عبيداللّه المنادي يقول: كنّا في دهليز عثمان بن أبي شيبة فخرج إلينا فقال: (ن وَالْقَلَمِ) في أيِّ سورة هو؟
قال:… وأمّا بيان إعراضهم عن الفقه شغلاً بشواذّ الأحاديث، فقد رويت عنهم فيه عجائب… وقفت امرأة على مجلس فيه يحيى بن معين وأبو خيثمة وخلف بن سالم، في جماعة يتذاكرون الحديث، فسمعتهم يقولون: قال رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ ، ورواه فلان، وما حدّث به غير فلان، فسألتهم امرأة عن الحائض تغسل الموتى ـ وكانت غاسلة ـ فلم يجبها أحد منهم، وجعل بعضهم ينظر إلى بعض، فأقبل أبو ثور فقالوا لها: عليكِ بالمقبل، فالتفتت إليه فسألته فقال: نعم تغسل الميت بحديث عائشة: إنّ النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ قال لها: إنّ حيضتك ليست في يدك، ولقولها: كنت أفرق رأس رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ بالماء وأنا حائض، قال أبو ثور: فإذا فرقت رأس الحيّ فالميّت أولى به، فقالوا: نعم، رواه فلان وحدّثنا فلان; وخاضوا في الطرق، فقالت المرأة: فأين كنتم إلى الآن؟!»(1).
قال: «وقد كان فيهم مع كثرة سماعه وجمعه للحديث من يرويه ولا يدري ما معناه، وفيهم من يصحّفه ويغيّره… أخبرنا الدارقطني: أنّ أبا موسى محمد بن المثنّى العنزي قال لهم يوماً: نحن قوم لنا شرف، نحن من عنزة قد صلّى رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ إلينا، لِما روي أنّ النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ صلّى إلى عنَزَة، توهّم أنّه صلّى إلى قبلتهم، وإنّما العَنَزة التي صلّى إليها رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ هي حربة»(2).
قال: «وقد كان أكثر المحدّثين يعرفون صحيح الحديث من سقيمه وثقات النقلة من مجروحيهم، ثم يعابون لقلّة الفقه، فكان الفقهاء يقولون للمحدّثين: نحن الأطبّاء وأنتم الصيادلة…»(3).
قال: «والآن، فالغالب على المحدّثين السماع فحسب، لا يعرفون صحابياً من تابعي، ولا حديثاً مقطوعاً من موصول، ولا صحّه إسناد من بطلانه، وفرضُ مثل هؤلاء القبولُ ممّن يعلم ما جهلوه…»(4).
وبالجملة… فإنّ هذا حال أهل الحديث… إلاّ القليل منهم… الّذين نظروا في الأحاديث وبحثوا عن أحوالها على أساس النظر في المفاد والمدلول، فجاء عنهم الطعن والقدح في أحاديث كثيرة حتى من الصحيحين… لأنّ الحديث إذا عارض الكتاب أو خالف الضرورة من الدين أو العقل أو التاريخ يُكذَّب وإن صحّ سنده… وقد أشرنا إلى هذه القاعدة المقرّرة من قبل… .
(1) آفة أصحاب الحديث، بتحقيق وتقديم وتعليق علي الحسيني الميلاني: 44.
(2) المصدر: 46.
(3) المصدر: 49.
(4) المصدر.