و من القسم الثاني:
ما ورد حول آية «الرجم»
الحديث حول آية الرجم وسقوطها من القرآن الكريم، أخرجه الشيعة والسُنّة معاً في كتبهم الحديثيّة، وذكروه في كتب الفقه في أبواب الحدود. فهو موجود في: «الكافي» و«من لا يحضره الفقيه» و«التهذيب» و«وسائل الشيعة» من كتب الشيعة. وفي «صحيح البخاري» و«صحيح مسلم» و«مسند أحمد» و«موطأ مالك» وغيرها من كتب السُنّة.
لكنّ الأصل في القضية هو (عمر بن الخطاب) ومن قال بمقالته من الصحابة، ولذا حمل السيد الخوئي ما ورد من طرق الشيعة منه على التقيّة(1).
ويشهد بذلك ما روي في كتب الفريقين عن أمير المؤمنين عليه السلام، أنّه لمّا جلد شراحة الهمدانيّة يوم الخميس ورجمها يوم الجمعة قال: «حددتها بكتاب اللّه ورجمتها بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم»(2)، فلو كان عليه السلام يرى أن الرجم من القرآن كما رأى عمر لم يقل كذلك.
فالأمر من طرف الشيعة مفروغ منه، وأمّا مرويّات أهل السُنّة:
1 ـ فقد أخرج البخاري عن عمر بن الخطّاب أنّه قال: «إنّ اللّه بعث محمداً صلّى اللّه عليه وسلم بالحقّ، وأنزل عليه الكتاب، فكان ممّا أنزل اللّه آية الرجم، فقرأناها وعقلناها ووعيناها، فلذا رجم رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وسَلّم ـ ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: واللّه ما نجد آية الرجم في كتاب اللّه، فيضلّوا بترك فريضة أنزلها اللّه… .
ثم إنّا كنّا نقرأ ـ فيما نقرأ من كتاب اللّه ـ : أن لا ترغبوا عن آبائكم، فإنّه كفر بكم أن ترغبوا عن آبائكم، أو: إنّ كفراً بكم أن ترغبوا عن آبائكم…»(3).
وأخرج أيضاً عنه قوله:
«إنّ اللّه بعث محمداً… وَالرجم في كتاب اللّه حق على من زنى إذا اُحصن من الرجال والنساء إذا قامت البيّنة»(4).
وأخرجه مسلم بن الحجّاج أيضاً في صحيحه(5)، وأحمد بن حنبل ـ إمام الحنابلة ـ في مسنده(6).
وروى مالك بن أنس ـ إمام المالكية ـ عن سعيد بن المسيب ـ وهو من أكابر التابعين ـ عن عمر قوله: «إيّاكم أن تهلكوا عن آية الرجم أن يقول قائل: لا نجد حدّين في كتاب اللّه، فقد رجم رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ ورجمنا. والّذي نفسي بيده: لولا أن يقول الناس: زاد عمر بن الخطاب في كتاب اللّه تعالى لكتبتها (الشيخ والشيخة فارجموهما ألبتّة) فإنّا قد قرأناها»(7).
ورواه أيضا أحمد بن حنبل في مسنده(8) والحافظ جلال الدين السيوطي عن عبدالرزاق وأحمد و ابن حبّان وسيأتي نصّه.
وقال الحافظ السيوطي أيضاً: «وقد أخرج ابن أشته في (المصاحف) عن الليث بن سعد، قال: أول من جمع القرآن أبوبكر وكتبه زيد… وأنّ عمر أتى بآية الرجم فلم يكتبها، لأنّه كان وحده»(9).
هذا كلّه عن عمر، والمستفاد من الأحاديث أنه كان يتيقّن بكون آية الرجم من القرآن، إلاّ أنّه لم يكتبها أبو بكر ولا هو من بعده، لكونه وحده، فلو شهد بها معه أحد من الصحابة لكتب، وبذلك صرّح المحدّثون، قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري: «فلم يلحقها بنصّ المصحف بشهادته وحده» ولو كانت منسوخة التلاوة لم يجز إلحاقها به حتى لو شهد معه كلّ الصحابة.
2 ـ وأخرج ابن ماجة عن عائشة، قالت: «لقد نزلت آية الرجم ورضاعة الكبير عشراً، ولقد كان في صحيفة تحت سريري، فلمّا مات رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ وتشاغلنا بموته دخل داجن فأكلها»(10).
3 ـ وأورد الحافظ جلال الدين عن أبي عبيد عن أبي اُمامة بن سهل: «أنّ خالته قالت: لقد أقرأنا رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ آية الرجم: الشيخ والشيخة فارجموهما البتّة بما قضيا من اللذّة»(11).
4 ـ وروى الحافظ السيوطي أيضاً عن جماعة من المحدّثين الحفّاظ عن اُبي ابن كعب: أنّه كان يعتقد بأنّ آية الرجم من القرآن حقيقة، وقد تقدّم نصّه في ما ذكر حول سورة الأحزاب.
نقتصر على هذه الأحاديث حول «آية الرجم» طلباً للإختصار، وقد لوحظ فيها أنّ جماعة من الصحابة كانوا يصرّحون بأنّهم قد قرأوا هذه الآية وعقلوها وحفظوها، وكان أشدّهم إصراراً على ذلك: عمر بن الخطّاب، وهم:
1 ـ عمر بن الخطاب.
2 ـ اُبيّ بن كعب.
3 ـ عائشة بنت أبي بكر.
4 ـ خالة أبي أمامة بن سهل.
بل المفهوم من حديث عائشة: أنّ الآية كانت من القرآن حتى بعد وفاة الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم… وسيأتي مزيد كلام في ذلك.
وقد نقلنا هذه الأحاديث عن:
1 ـ صحيح البخاري.
2 ـ صحيح مسلم.
3 ـ مسند أحمد.
4 ـ الموطّأ لمالك.
5 ـ السنن لابن ماجة.
6 ـ الإتقان في علوم القرآن للحافظ السيوطي.
(1) مباني تكملة المنهاج 1 : 196، حكم الشيخ والشيخة المحصنين.
(2) عوالي اللآلي، المسلك الرابع، الحديث 426، 2 : 152، عوالي اللآلي، القسم الثاني في أحاديث تتعلق بأبواب الفقه، باب الحدود: الحديث 28، 3 : 552، جواهر الكلام، كتاب الحدود، ثبوت الجلد ثمّ الرجم على المحصن والمحصنة في الزناء 41 : 320.
(3) صحيح البخاري، كتاب المحاربين من أهل الكفر والردة، باب رجم الحبلى من الزنا إذا احصنت 4 : 586 ـ 587.
(4) المصدر.
(5) صحيح مسلم، كتاب الحدود، باب رجم الثيب في الزنى، الحديث 15، 3 : 1317.
(6) مسند أحمد، الحديث 278، 1 : 66.
(7) الموطأ 2 : 824، كتاب الحدود، باب ما جاء في الرجم، الحديث 10.
(8) مسند أحمد، الحديث 393، 1 : 89 ـ 90.
(9) الإتقان في علوم القرآن 1 : 206، النوع الثامن عشر في جمعه وترتيبه.
(10) السنن لابن ماجة 1 : 625، كتاب النكاح، باب رضاع الكبير، الحديث 1944.
(11) الإتقان في علوم القرآن 3 : 82، النوع السابع والأربعون في ناسخه ومنسوخه.