من أخبار التحريف
وبعد، فلا بأس بذكر عدد من أهمّ الروايات الموجودة في كتب الإماميّة ـ التي ادّعى بعض العلماء ظهورها في النقصان ـ وعلى هذه فقس ما سواها.
ولابدَّ من عرض تلك الأحاديث بنصوصها، ثمّ الكلام عليها بالنظر إلى أسانيدها وفي مدى دلالتها على المدعى، وما يترتّب عليها من شبهات ووجوه الجواب عنها.
وأهمّ الأحاديث التي قد يستند إليها للقول بتحريف القرآن هي الأحاديث التالية:
1 ـ عن جابر، قال:
«سمعت أبا جعفر عليه السلام يقول: ما ادّعى أحد من الناس أنّه جمع القرآن كلّه كما أُنزل إلاّ كذّاب، وما جمعه وحفظه كما نزّله اللّه تعالى إلاّ علي بن أبي طالب عليه السلام والأئمّة من بعده عليهم السلام»(1).
2 ـ عن جابر، عن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال:
«ما يستطيع أحد أن يدّعي أنّ عنده جميع القرآن كلّه ظاهره وباطنه غير الأوصياء»(2).
3 ـ عن سالم بن سلمة، قال:
«قرأ رجل على أبي عبد اللّه عليه السلام ـ وأنا أستمع ـ حروفاً من القرآن ليس على ما يقرؤها الناس، فقال أبو عبد اللّه عليه السلام:
كفّ عن هذه القراءة، إقرأ كما يقرأ الناس، حتّى يقوم القائم، فإذا قام القائم عليه السلام قرأ كتاب اللّه عزّ وجلّ على حدّه وأخرج المصحف الذي كتبه علي عليه السلام.
وقال: أخرجه علي عليه السلام إلى الناس حين فرغ منه وكتبه، فقال لهم: هذا كتاب اللّه عزّ وجلّ كما أنزله اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وقد جمعته بين اللوحين، فقالوا: هو ذا عندنا مصحف جامع فيه القرآن، لا حاجة لنا فيه. فقال: أما واللّه ما ترونه بعد يومكم هذا أبداً، إنّما كان عليَّ أنْ أُخبركم حين جمعته لتقرؤوه»(3).
4 ـ عن ميسر، عن أبي جعفر عليه السلام، قال:
«لولا أنّه زيد في كتاب اللّه ونقص عنه، ما خفي حقّنا على ذي حجى، ولو قد قام قائمنا فنطق صدّقه القرآن»(4).
5 ـ عن الأصبغ بن نباتة، قال:
«سمعت أمير المؤمنين عليه السلام يقول: نزل القرآن أثلاثاً: ثلث فينا وفي عدوّنا، وثلث سنن وأمثال، وثلث فرائض وأحكام»(5).
وعن أبي عبد اللّه عليه السلام قال:
«إنّ القرآن نزل أربعة أرباع: ربع حلال، وربع حرام، وربع سنن وأحكام، وربع خبر ما كان قبلكم ونبأ ما يكون بعدكم وفصل ما بينكم»(6).
وعن أبي جعفر عليه السلام، قال:
«نزل القرآن أربعة أرباع: ربع فينا، وربع في عدوّنا، وربع سنن وأمثال، وربع فرائض وأحكام»(7).
6 ـ عن محمّد بن سليمان، عن بعض أصحابه، عن أبي الحسن عليه السلام، قال:
«قلت له: جعلت فداك، إنّا نسمع الآيات في القرآن ليس هي عندنا كما نسمعها، ولا نحسن أنْ نقرأها كما بلغنا عنكم فهل نأثم؟
فقال: لا، إقرؤوا كما تعلّمتم، فسيجيئكم من يعلّمكم»(8).
7 ـ عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:
«إنّ في القرآن ما مضى وما يحدث وما هو كائن، كانت فيه أسماء الرجال فأُلقيت، وإنّما الإسم الواحد منه في وجوه لا تحصى، يعرف ذلك الوصاة»(9).
8 ـ عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:
«لو قد قرئ القرآن كما أُنزل لألفيتنا فيه مسمّين»(10).
9 ـ عن البزنطي، قال: «دفع إليّ أبو الحسن عليه السلام مصحفاً وقال: لا تنظر فيه، ففتحته وقرأت فيه (لَمْ يَكُنِ الَّذينَ كَفَرُوا) فوجدت فيها اسم سبعين رجلاً من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، قال: فبعث إليّ: إبعث إليّ بالمصحف»(11).
10 ـ عن أبي جعفر الباقر عليه السلام، قال:
«نزل جبرئيل عليه السلام بهذه الآية على محمّد هكذا: (وَإِنْ كُنْتُمْ في رَيْب مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا ـ في علي ـ فَأْتُوا بِسُورَة مِنْ مِثْلِهِ)(12).
11 ـ عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال:
«من كان كثير القراءة لسورة الأحزاب كان يوم القيامة في جوار محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأزواجه. ثمّ قال: سورة الأحزاب فيها فضائح الرجال والنساء من قريش وغيرهم. يا ابن سنان: إنّ سورة الأحزاب فضحت نساء قريش من العرب، وكانت أطول من سورة البقرة، ولكن نقصوها وحرّفوها»(13).
12 ـ عن عبداللّه عليه السلام، قال:
«أنزل اللّه في القرآن سبعة بأسمائهم، فمحت قريش ستة وتركوا أبا لهب»(14).
13 ـ عن ابن نباتة قال:
«سمعت عليّاً عليه السلام يقول: كأنّي بالعجم فساطيطهم في مسجد الكوفة يعلّمون الناس القرآن كما أُنزل، قلت: يا أمير المؤمنين أو ليس هو كما أُنزل؟
فقال: لا، محي منه سبعون من قريش بأسمائهم وأسماء آبائهم، وما ترك أبو لهب إلاّ للازراء على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، لأنّه عمه»(15).
14 ـ عن أبي بصير، عن أبي عبد اللّه عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: «(وَمَنْ يُطِعِ اللّهَ وَرَسُولَهُ ـ في ولاية علي وولاية الأئمّة من بعده ـ فَقَدْ فازَ فَوْزًا عَظيمًا)هكذا نزلت»(16).
15 ـ عن منخّل، عن أبي عبد اللّه عليه السلام، قال: «نزل جبرئيل على محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بهذه الآية هكذا: (يا أَيُّهَا الَّذينَ أُوتُوا الْكِتابَ آمِنُوا بِما نَزَّلْنا ـ في علي ـ نُورًا مُبينًا)(17).
16 ـ عن عبد اللّه بن سنان، عن أبي عبد اللّه في قوله:
(وَلَقَدْ عَهِدْنا إِلى آدَمَ مِنْ قَبْلُ ـ كلمات في محمّد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمّة عليهم السلام من ذريّتهم ـ فَنَسِيَ…)»(18).
فهذه طائفة من تلك الأحاديث، ولنلق الأضواء عليها واحداً واحداً، لنرى ما قيل في الجواب عن كلّ واحد أو ما جاء فيه من تأويل.
(1) الكافي، كتاب الحجة، باب انّه لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمّة عليهم السلام، حديث 1، 1 / 228، بصائر الدرجات، باب في الأئمّة ان عندهم جميع القرآن الذي أُنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، حديث 2 : 213.
(2) الكافي، كتاب الحجة، باب انّه لم يجمع القرآن كلّه إلاّ الأئمّة عليهم السلام، حديث 2، 1 / 228، بصائر الدرجات، باب في الأئمة ان عندهم جميع القرآن الذي أنزل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، حديث 1 : 213.
(3) الكافي، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، حديث 23، 2 / 633.
(4) تفسير العياشي، مقدمة الكتاب، ما عنى به الأئمّة من القرآن، 1 / 25.
(5) الكافي، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، حديث 2، 2 / 627.
(6) المصدر، حديث 3، 2 / 627.
(7) المصدر، حديث 4، 2 / 628.
(8) المصدر، باب انّ القرآن يرفع كما أنزل، حديث 2، 2 / 619.
(9) تفسير العياشي، تفسير الناسخ والمنسوخ والظاهر والباطن والمحكم والمتشابه: 1 / 24.
(10) تفسير العياشي، مقدمة الكتاب، ما عنى به الأئمّة من القرآن، 1 / 25.
(11) الكافي، كتاب فضل القرآن، باب النوادر، حديث 16، 2 / 631.
(12) المصدر، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، حديث 26، 1 / 417.
(13) ثواب الأعمال، قراءة السور، ثواب من قرأ سورة الأحزاب: 139، بحار الأنوار، كتاب القرآن، باب ما جاء في كيفيّة جمع القرآن: 89 / 54.
(14) بحار الأنوار، كتاب القرآن، باب ما جاء في كيفية جمع القرآن، 89 / 54.
(15) الغيبة، باب الحادي والعشرون، ما جاء في ذكر أحوال الشيعة عند خروج القائم، الحديث 5، 318.
(16) الكافي، كتاب الحجة، باب فيه نكت ونتف من التنزيل في الولاية، حديث 8 ، 1 / 414.
(17) المصدر، حديث 27، 1 / 417.
(18) المصدر، حديث 23، 1 / 416، بصائر الدرجات، باب ما خص اللّه به الأئمة من آل محمّد عليهم السلام من ولاية أولى العزم لهم في الميثاق وغيره، حديث 4 : 91.