محمد رشيد رضا
10 ـ السيّد محمد رشيد رضا، بعد أن تعرّض للأحاديث المنتقدة على البخاري:
«وإذا قرأت ما قاله الحافظ(1) فيها رأيتها كلّها في صناعة الفنّ… ولكنّك إذا قرأت الشرح نفسه (فتح الباري) رأيت له في أحاديث كثيرة إشكالات(2) في معانيها أو تعارضها مع غيرها، مع محاولة الجمع بين المختلفات وحلّ المشكلات بما يرضيك بعضه دون بعض»(3).
وقال: «ممّا لا شك فيه أيضاً أنّه يوجد في غيرهما من دواوين السُنّة أحاديث أصحّ من بعض ما فيهما… ولا يخلو ]البخاري[ من أحاديث قليلة في متونها نظر قد يصدق عليه بعض ما عدّوه من علامة الوضع، كحديث سحر بعضهم للنبي ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ الذي أنكره بعض العلماء، كالإمام الجصّاص من المفسّرين المتقدّمين، والأُستاذ الإمام محمد عبده من المتأخّرين، لأنّه معارض بقوله تعالى: (إِذْ يَقُولُ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُورًا * انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ اْلأَمْثالَ فَضَلُّوا فَلا يَسْتَطيعُونَ سَبيلاً)]الإسراء 17 : 47 و 48[.
هذا، وإنّ في البخاري أحاديث في أُمور العادات والغرائز ليست من أصول الدين ولا فروعه.
فإذا تأمّلتم هذا وذاك علمتم أنّه ليس من أُصول الدين ولا من أركان الإسلام أن يؤمن المسلم بكلّ حديث رواه البخاري مهما يكن موضوعه، بل لم يشترط أحد في صحّة الإسلام ولا في معرفته التفصيلية الإطّلاع على صحيح البخاري والإقرار بكلّ ما فيه.
وعلمتم أيضاً أن المسلم لا يمكن أن ينكر حديثاً من هذه الأحاديث بعد العلم به إلاّ بدليل يقوم عنده على عدم صحّته متناً أو سنداً، فالعلماء الّذين أنكروا صحّة بعض هذه الأحاديث لم ينكروها إلاّ بأدلّة قامت عندهم، قد يكون بعضها صواباً وبعضها خطأً، ولا يعدّ أحدهم طاعناً في دين الإسلام»(4).
(1) هو الحافظ ابن حجر العسقلاني.
(2) قلت: سنشير على مواضع منها فيما سيأتي.
(3) المنار 29 : 41.
(4) المصدر 2 : 104 ـ 105.