كلمات الصحابة و التابعين
في وقوع الحذف والتغيير والخطأ في القرآن المبين
ويظهر من خلال الأخبار والآثار كثرة تكلّم الصحابة والتابعين في جمع عثمان المصاحف، فمنهم من طعن في زيد بن ثابت الذي باشر الأمر بأمر عثمان، ومنهم من طعن في كيفيّة الجمع، ومنهم من كان يفضّل مصحف غيره من الصحابة تفضيلاً لأصحابها على عثمان في علم القرآن.
لقد كثر التكلّم والقول فيه حتى انبرى أمير المؤمنين عليه السلام ـ فيما يروون ـ ليدافع عن عثمان ومصحفه. قال الحافظ ابن حجر العسقلاني: «وقد جاء عن عثمان أنّه إنّما فعل ذلك بعد أن استشار الصحابة، فأخرج ابن أبي داود بإسناد صحيح من طريق سويد بن غفلة قال: قال علي: لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً، فو اللّه ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملأمنّا، قال: ما تقولون في هذه القراءة لقد بلغني أنّ بعضهم يقول: إنّ قراءتي خير من قراءتك وهذا يكاد أن يكون كفراً، قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا اختلاف، قلنا: فنعم ما رأيت»(1).
وكذلك العلماء والمحدّثون في كتبهم، حتى ألّف بعضهم كتاب «الردّ على من خالف مصحف عثمان»(2).
فعن ابن عمر أنّه قال: «… ما يدريه ما كلّه؟ قد ذهب منه قرآن كثير»(3).
وعن عبداللّه بن مسعود: أنّه «كره لزيد بن ثابت نسخ المصاحف»(4).
وعنه: «لو ملكت كما ملكوا لصنعت بمصحفهم مثل الذي صنعوا بمصحفي»(5).
وعن ابن عباس في قوله تعالى: (حَتّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا)(6): «إنّما هي خطأ من الكاتب، حتى تستأذنوا وتسلّموا»(7).
وعنه في قوله تعالى: (أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللّهُ…)(8) «أظنّ الكاتب كتبها وهو ناعس»(9).
وعنه في قوله تعالى: (وَقَضى رَبُّكَ…)(10): «إلتزقت الواو بالصاد»(11).
وعنه في قوله تعالى: (وَلَقَدْ آتَيْنا مُوسى وَهارُونَ الْفُرْقانَ وَضِياءً…)(12): «خذوا هذه الواو واجعلوها هاهنا: (الَّذينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ…)(13).
وعن عائشة بعد ذكر آية: «قبل أن يغيّر عثمان المصاحف»(14).
وعنها في قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ) وقوله: (إِنَّ الَّذينَ آمَنُوا… وَالصّابِئُونَ…)قالت: «يا ابن أخي هذا عمل الكُتّاب اخطئوا في الكتاب» قال السيوطي: «هذا إسناد صحيح على شرط الشيخين»(15).
وعنها في قوله تعالى: (وَالَّذينَ يُؤْتُونَ ما آتَوْا…)(16): «كذلك أُنزلت ولكن الهجاء حرّف»(17).
وعنها وعن أبان بن عثمان في قوله تعالى: (وَالْمُقيمينَ الصَّلاةَ)(18): «أنّه غلط من الكاتب»(19).
وعن مجاهد والربيع في قوله تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ…)(20): «هي خطأ من الكاتب» قال الحافظ السيوطي: «أخرج عبد بن حميد والفريابي وابن جرير وابن المنذر، عن مجاهد في قوله (وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ ميثاقَ النَّبِيِّينَ لَما آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتاب وَحِكْمَة) قال: هي خطأ من الكاتب وهي قراءة ابن مسعود: وإذ أخذ اللّه ميثاق الذين أُوتوا الكتاب. وأخرج ابن جرير عن الربيع أنّه قرأ: وإذ أخذ اللّه ميثاق الذين أُوتوا الكتاب. قال: وكذلك كان يقرؤها أُبيّ بن كعب»(21).
وعن سعيد بن جبير في قوله تعالى: (وَالْمُقيمينَ الصَّلاةَ): «هو لحن من الكاتب»(22).
وقال الفخر الرازي في قوله تعالى: (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)(23): «القراءة المشهورة (إِنْ هذانِ لَساحِرانِ)، ومنهم من ترك هذه القراءة وذكروا وجوهاً أخر أحدها: قرأ أبو عمرو وعيسى بن عمر: إن هذين لساحران. قالوا: هي قراءة عثمان وعائشة وابن الزبير وسعيد بن جبير والحسن… وروي عن عثمان أنّه نظر في المصحف، فقال: أرى فيه لحناً وستقيمه العرب بألسنتها»(24).
فالعجيب جداً: طعن عثمان نفسه في هذا المصحف.
وفي رواية البغوي قال عثمان: «إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها، فقيل له: ألا تغيّره! فقال: دعوه فإنّه لا يحلّ حراماً ولا يحرّم حلالاً»(25).
وفي الإتقان عن عثمان أنّه قال: «لو كان الكاتب من ثقيف والمملي من هذيل لم توجد فيه هذه الحروف»(26).
(1) فتح الباري 9 : 18، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن.
(2) لابن الانباري كتاب بهذا الإسم.
(3) الدر المنثور ـ سورة البقرة، الآيتان 106 ـ 107 : 1 / 200.
(4) فتح الباري ـ كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن 9 / 19.
(5) محاظرات الأُدباء 2 / 419.
(6) سورة النور: الآية 27.
(7) الإتقان في علوم القرآن ـ النوع الحادي والأربعون في معرفة اعرابه 2 / 327.
(8) سورة الرعد: الآية 31.
(9) الإتقان في علوم القرآن ـ النوع الحادي والأربعون في معرفة اعرابه 2 / 327.
(10) سورة الاسراء: الآية 23.
(11) الإتقان في علوم القرآن ـ النوع الحادي والأربعون في معرفة اعرابه 2 / 328.
(12) سورة الانبياء: الآية 48.
(13) الإتقان في علوم القرآن ـ النوع الحادي والأربعون في معرفة اعرابه 2 / 328.
(14) المصدر، في ناسخه ومنسوخه، تنبيه 3 / 82.
(15) المصدر، النوع الحادي والأربعون في معرفة اعرابه 2 / 320.
(16) سورة المؤمنون: الآية 60.
(17) الإتقان في علوم القرآن ـ النوع الحادي والأربعون في معرفة اعرابه 2 / 327.
(18) سورة النساء: الآية 162.
(19) معالم التنزيل ـ سورة النساء، الآية 162، 1 / 498.
(20) سورة آل عمران: الآية 81.
(21) الدرّ المنثور ـ سورة آل عمران، الآيتان 81 و 82، 2 / 83 ـ 84.
(22) الإتقان في علوم القرآن ـ النوع الحادي والأربعون في معرفة اعرابه 2 / 321.
(23) سورة طه: الآية 63.
(24) التفسير الكبير ـ سورة طه: الآية 63 : 22 / 74.
(25) تفسير البغوي ـ سورة النساء: الآية 163، 1 / 498.
(26) الإتقان في علوم القرآن، النوع الحادي والأربعون في معرفة اعرابه 2 / 320.