دليل الرادّين لهذه الآثار
وأمّا الّذين ردّوا هذه الأحاديث وهم كثيرون جدّاً، فقد اختلفت كلماتهم في كيفية الردّ، لأنّ منهم من يضعّف الرواية أو يستبعدها تنزيهاً للصحابي عن التفوّه بمثل هذا الكلام، حتى أنّ بعضهم قال: «ومن روى عن ابن عبّاس… فهو طاعن في الإسلام، ملحد في الدين، وابن عبّاس بريء من هذا القول»(1). ومنهم من يقول: «هذا القول فيه نظر» أو: «لا يخفى ركاكة هذا القول» ونحو ذلك… وظاهر هؤلاء تصحيح الحديث اعتماداً على رجاله، ثمّ الردّ على الصحابة أنفسهم.
وعلى كلّ حال… فإنّ هذه الفئة من العلماء متّفقة على أنّ هذه الأحاديث لا يجوز تصديقها… قال الزمخشري بتفسير: (أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذينَ آمَنُوا…)(2): «ومعنى أفلم ييئس: أفلم يعلم… ويدلّ عليه: أنّ علياً وابن عبّاس وجماعة من الصحابة والتابعين قرؤوا: أفلم يتبيّن، وهو تفسير أفلم ييئس. وقيل: إنّما كتبه الكاتب وهو ناعس مستوي السينات.
وهذا ونحوه ممّا لا يصدّق في كتاب اللّه، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه. وكيف يخفى مثل هذا حتى يبقى ثابتاً بين دفّتي الإمام، وكان متقلّباً في أيدي أُولئك الأعلام المحتاطين في دين اللّه، المهيمنين عليه، لا يغفلون عن جلائله ودقائقه، خصوصاً عن القانون الذي إليه المرجع، والقاعدة التي عليها البناء؟!! وهذه ـ واللّه ـ فرية ما فيها مرية»(3).
فهذا موقف القائلين ببطلان هذه الآثار.
أمّا الفئة الأولى الدائر أمرهم بين الالتزام بمداليل الآثار وبين التأويل المقبول لدى الأنظار، فقد اختار جمع منهم طريق التأويل:
(1) البحر المحيط، سورة النور، الآية 27، 6 : 410.
(2) سورة الرعد: 31.
(3) الكشّاف 2 : 531، سورة الرعد، الآية 31.