حول ما صنعه عثمان
ويبقى الكلام حول ما صنعه عثمان… فهل جمع القرآن من جديد؟ وكيف؟ وبواسطة من؟
لقد اختلفت أحاديث القوم وكلمات علمائهم في هذا المقام أيضاً، وقد أشرنا إلى بعض ذلك فيما تقدّم… ولمّا كان الصحيح كون القرآن مكتوباً على عهد الرسول صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ومجموعاً مدوّناً قبل عهد عثمان بزمن طويل، بل لا دور لمن تقدّم عليه في جمعه… فالصحيح أنّ الذي فعله عثمان على عهده لم يكن إلاّ جمع المسلمين على قراءة واحدة، وهي القراءة المشهورة المتعارفة بينهم، المتواترة عن النبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم… ومنعهم عن القراءات الأُخرى المبنيّة على أحاديث نزول القرآن على سبعة أحرف.
أمّا هذا العمل فلم ينتقده عليه أحد من المسلمين، لأن مصاحف الصحابة والتابعين كانت مختلفة، حتى أنّ بعض العلماء ألّف في اختلافها كتاباً خاصاً(1)، وكان لكلّ من الصحابة أتباع في البلاد يقرؤون على قراءته، ومن الطبيعي أن يؤدّي الإختلاف في قراءة القرآن إلى ما لا تحمد عقباه… .
بل أعلن بعض الأصحاب تأييده لما قام به عثمان، ورووا عن أمير المؤمنين عليه السلام أنّه قال: «لا تقولوا في عثمان إلاّ خيراً، فو اللّه ما فعل الذي فعل في المصاحف إلاّ عن ملأ منّا. قال: ما تقولون في هذه القراءة، لقد بلغني أنّ بعضهم يقول: أنّ قراءتي خير من قراءتك، وهذا يكاد أن يكون كفراً. قلنا: فما ترى؟ قال: أرى أن يجمع الناس على مصحف واحد، فلا تكون فرقة ولا اختلاف. قلنا: فنعم ما رأيت»(2).
وعنه أنّه قال: «لو ولّيت لفعلت مثل الذي فعل»(3).
وقد يؤيّده نقل السيّد ابن طاووس ذلك وسكوته عليه، حيث جاء في الباب الثاني الذي عقده لنقل أشياء من كتب التفاسير ونقدها: «فصل فيما نذكره من كتاب عليه (جزء فيه اختلاف المصاحف) تأليف أبي جعفر محمد بن منصور، رواية محمد بن زيد بن مروان، قال في السطر الخامس من الوجهة الاولة منه… : أنّ القرآن جمعه على عهد أبي بكر زيد بن ثابت، وخالفه في ذلك أبي وعبداللّه بن مسعود وسالم مولى أبي حذيفة، ثم عاد عثمان جمع المصحف برأي مولانا علي بن أبي طالب…»(4).
وأيضاً: أنّ عدد الآي والسور الذي عليه أكثر القرّاء كما تقدم في الفصل الخامس من الباب الأول عن عدة من أعلام الإمامية، هو العدد الكوفي كما ذكر الشيخ الطوسي(5)، وقد ذكر الشيخ الطبرسي في أوّل تفسيره. «أن عدد أهل الكوفة أصح الأعداد وأعلاها إسناداً، لأنه مأخوذ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب»(6).
وأيضاً: قول العلاّمة الحلّي: «يجب أن يقرأ بالمتواتر من الآيات، وهو ما تضمّنه مصحف علي عليه السلام، لأن أكثر الصحابة اتّفقوا عليه، وحرق عثمان ما عداه، ولا يجوز أن يقرأ مصحف ابن مسعود ولا أبي ولا غيرهما»(7).
(1) أنظر: المصاحف لابن أبي داود السجستاني.
(2) فتح الباري، كتاب فضائل القرآن، باب جمع القرآن، 9 : 18.
(3) إرشاد الساري 7 : 448، البرهان، الباب الثالث عشر في بيان جمعه، 1 : 240 وغيرهما.
(4) سعد السعود، الباب الثاني، كتب تفاسير القرآن، الفصل 285، 435.
(5) التبيان، سورة الناس، 10 : 438.
(6) مجمع البيان، المقدمة، الفن الأول، 1 : 39.
(7) تذكرة الفقهاء، كتاب الصلاة، القراءة، 1 : 115.