تأويل «اللحن» و «الخطأ» و جوابه
وأجابوا عمّا رووه عن عثمان بجوابين، ذكرهما السيوطي ـ بعد أن قال: «هذه الآثار مشكلة جدّاً» ـ وقد نقلنا عبارته سابقاً.
وقال الشهاب الخفاجي ـ بعد كلام الكشّاف: «ولا يلتفت…» ـ : «وقيل عليه: لا كلام في نقل النظم تواتراً، فلا يجوز اللحن فيه أصلاً، وهل يمكن أن يقع في الخطّ لحن بأن يكتب «المقيمون» بصورة «المقيمين» بناءً على عدم تواتر صورة الكتابة؟ وما روي عن عثمان وعائشة أنّهما قالا: إنّ في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها ـ على تقدير صحّة الرواية ـ يحمل على اللحن في الخطّ. لكنّ الحقّ: ردّ هذه الرواية وإليه أشار ـ أي الكشّاف ـ بقوله: إنّ السابقين… .
(قال): أقول: هذا إشارة إلى ما نقله الشاطبي في الرائية وبيّنه شرّاحه وعلماء الرسم العثماني بسند متّصل إلى عثمان أنّه لمّا فرغ من المصحف… قال السخاوي: وهو ضعيف والإسناد فيه اضطراب وانقطاع… وتأوّل قوم (اللحن) في كلامه على تقدير صحّته عنه بأنّ المراد الرمز والإيماء.
(قال): تنبيه: قد نخلنا القول وتتبّعنا كلامهم ما بين معسول ومغسول، فآل ذلك إلى أنّ قول عثمان فيه مذهبان، أحدهما: أنّ المراد باللحن ما خالف الظاهر، وهو موافق له حقيقة ليشمل الوجوه تقديراً واحتمالاً. وهذا ما ذهب إليه الداني وتابعه كثيرون. والرواية فيه صحيحة.
والثاني: ما ذهب إليه ابن الأنباري من أنّ (اللحن) على ظاهره، وأنّ الرواية غير صحيحة»(1).
أقول: وكأن المتأوّلين التفتوا إلى كون تأويلاتهم مزيّفة، فالتجؤوا إلى القول بأنّ تلك الآثار «محرّفة»… فقد جاء في الإتقان عن ابن أشتة: أنّه روى الحديث بإسناده عن عثمان وليس فيه لفظ «اللحن»، بل إنّه لمّا نظر في المصحف قال: «أحسنتم وأجملتم، أرى شيئاً سنقيمه بألسنتنا». قال: «فهذا الأثر لا إشكال فيه وبه يتّضح معنى ما تقدّم… ولعلّ من روى تلك الآثار السابقة عنه حرّفها ولم يتقن اللفظ الذي صدر عن عثمان، فلزم منه ما لزم من الإشكال. فهذا أقوى ما يجاب عن ذلك».
قال السيوطي بعد إيراد الأجوبة عن حديث عثمان: «وبعد، فهذه الأجوبة لا يصلح منها شيء عن حديث عائشة. أمّا الجواب بالتضعيف فلأنّ إسناده صحيح كما ترى…»(2).
أقول: هذه عمدة ما ورد في هذا الباب ممّا التزموا بصحّته، وقد عرفت أن لا تأويل صحيح له عندهم، فهم متورّطون في أمر خطره عظيم، إمّا الطعن في القرآن، وإمّا الطعن في هؤلاء الصحابة الأعيان!!!
ولا ريب في أنّ نسبة «الخطأ» إلى «الصحابة» أولى منه إلى «القرآن» وسيأتي ـ في الفصل الخامس ـ بعض التحقيق في حال الصحابة علماً وعدالة، هذا أولاً.
وثانياً: إنّ القول بعدم جواز تكذيب المنقول بعد صحّته ـ كما هو مذهب الحافظ ابن حجر العسقلاني ـ غير صحيح، إذ الحديث إذا خالف الكتاب أو السُنّة القطعيّة أو الضروري من الدين أو المجمع عليه بين المسلمين يطرح وإن كان في الكتب المسمّاة بالصحاح… كما سيأتي ـ في الفصل الخامس ـ ذكر نماذج من ذلك… .
(1) عناية القاضي، شرح الشفا للقاضي عياض 3 : 201.
(2) الإتقان في علوم القرآن 2 : 320 ـ 326، النوع الحادي والأربعون.