القسم الخامس
الأحاديث الآمرة بالرجوع إلى القرآن الكريم واستنطاقه
وهي كثيرة جدّاً، نكتفي هنا منها بما جاء في كتب وخطب أمير المؤمنين عليه السلام.
قال عليه السلام في خطبة له ينبّه فيها على فضل الرسول والقرآن:
«أرسله على حين فترة من الرّسل، وطول هجعة من الأُمم وانتقاض من المبرم، فجاءهم بتصديق الذي بين يديه، والنور المقتدى به، ذلك القرآن. فاستنطقوه ولن ينطق، ولكن أخبركم عنه، ألا إنّ فيه علم ما يأتي، والحديث عن الماضي، ودواء دائكم، ونظم ما بينكم»(1).
وقال عليه السلام:
«واعلموا أنّ هذا القرآن هو الناصح الذي لا يغش، والهادي الذي لا يضلّ، والمحدّث الذي لا يكذب، وما جالس هذا القرآن أحد إلاّ قام عنه بزيادة أو نقصان: زيادة في هدى أو نقصان مِن عمى، واعلموا أنّه ليس على أحد بعد القرآن من فاقة، ولا لأحد قبل القرآن من غنى، فاستشفوه من أدوائكم، واستعينوا به على لأْوائكم، فإنّ فيه شفاء من أكبر الداء وهو الكفر والنفاق والغيّ والضلال، فاسألوا اللّه به وتوجّهوا إليه بحبّه، ولا تسألوا به خلقه، إنّه ما توجّه العباد إلى اللّه بمثله.
واعلموا أنّه شافع مشفّع، وقائل مصدّق، وإنّه من شفع له القرآن يوم القيامة شفّع فيه، ومن محل به القرآن يوم القيامة صُدّق عليه، فإنّه ينادي مناد يوم القيامة: ألا إنّ كل حارث مبتلى في حرثه وعاقبة عمله، غير حرثة القرآن، فكونوا من حرثته وأتباعه، واستدلّوه على ربّكم، واستنصحوه على أنفسكم، واتّهموا عليه آراءكم، واستغشوا فيه أهواءكم»(2).
وقال عليه السلام في كتاب له إلى الحارث الهمداني رضي اللّه عنه:
«وتمسّك بحبل القرآن وانتصحه، وأحلّ حلاله، وحرّم حرامه…»(3).
وقال عليه السلام:
«ثمّ أنزل عليه الكتاب نوراً لا تطفأ مصابيحه، وسراجاً لا يخبو توقّده، وبحراً لا يدرك قعره، ومنهاجاً لا يضل نهجه، وشعاعاً لا يظلم ضوؤه، وفرقاناً لا يخمد برهانه… وحقّاً لا تخذل أعوانه، فهو معدن الإيمان وبحبوحته، وينابيع العلم وبحوره، ورياض العدل وغدرانه، وأثافي الإسلام وبنيانه، وأودية الحق وغيطانه، وبحر لا ينزفه المستنزفون، وعيون لا ينضبها الماتحون، ومناهل لا يغيضها الواردون، ومنازل لا يضل نهجها المسافرون…، جعله اللّه رياً لعطش العلماء، وربيعاً لقلوب الفقهاء، ومحاجَّ لطرق الصلحاء، ودواء ليس بعد داء، ونوراً ليس معه ظلمة، وحبلاً وثيقاً عروته، ومعقلاً منيعاً ذروته، وعزاً لمن تولاّه، وسلماً لمن دخله، وهدى لمن ائتمّ به، وعذراً لمن انتحله، وبرهاناً لمن تكلّم به، وشاهداً لمن خاصم به، وفلجاً لمن حاجّ به، وحاملاً لمن حمله، ومطيّة لمن أعمله، وآية لمن توسّم، وجُنّة لمن استلأم، وعلماً لمن وعى، وحديثاً لمن روى، وحكماً لمن قضى»(4).
وقال عليه السلام: «فالقرآن آمر زاجر، وصامت ناطق، حجّة اللّه على خلقه، أخذ عليهم ميثاقه، وراتهن عليه أنفسهم، أتمّ نوره، وأكرم به دينه، وقبض نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وقد فرغ إلى الخلق من أحكام الهدى به، فعظّموا منه سبحانه ما عظّم من نفسه، فإنّه لم يخف عنكم شيئاً من دينه، ولم يترك شيئاً رضيه أو كرهه إلاّ وجعل له علماً بادياً، وآية محكمة، تزجر عنه أو تدعو إليه…»(5).
فهذه الكلمات البليغة وأمثالها تنصّ على أنّ اللّه تعالى جعل القرآن الكريم نوراً يستضاء به، ومنهاجاً يعمل على وفقه، وحكماً بين العباد، ومرجعاً في المشكلات، ودليلاً عند الحيرة، ومتّبعاً عند الفتنة.
وكل ذلك يقتضي أن يكون ما بأيدينا من القرآن هو نفس القرآن الذي نزل على الرسول الأعظم صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وعرفه أمير المؤمنين وسائر الأئمّة والصحابة والمسلمون أجمعون.
(1) نهج البلاغة، الخطبة 158 : 223.
(2) المصدر، الخطبة 176 : 202، فضل القرآن: 310 ـ 311.
(3) المصدر: الخطبة 69 : 459.
(4) المصدر، الخطبة 198، ينبّه على إحاطة علم اللّه بالجزئيّات ثمّ يحث على التقوى: 397.
(5) المصدر، الخطبة 183، في قدرة اللّه وفي فضل القرآن: 329.