أبو الوفاء القرشي(1)
3 ـ أبو الوفاء القرشي: «فائدة: حديث أبي حميد الساعدي في صفة صلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في مسلم وغيره ـ يشتمل على أنواع منها التورّك في الجلسة الثانية ـ ضعّفه الطحاوي… ولا يحنق علينا لمجيئه في مسلم، وقد وقع في مسلم أشياء لا تقوى عند أهل الإصطلاح، فقد وضع الحافظ الرشيد العطّار على الأحاديث المقطوعة المخرّجة في مسلم كتاباً سمّاه بـ(غرر الفوائد المجموعة في بيان ما وقع في مسلم من الأحاديث المقطوعة) وبيّنها الشيخ محيي الدين في أوّل شرح مسلم.
وما يقوله الناس: إن من روى له الشيخان فقد جاز القنطرة، هذا أيضاً من التحنّق ولا يقوى، فقد روى مسلم في كتابه عن ليث بن أبي مسلم وغيره من الضعفاء، فيقولون: إنّما روى في كتابه للإعتبار والشواهد والمتابعات والإعتبارات، وهذا لا يقوى، لأنّ الحفّاظ قالوا: الإعتبار والشواهد والمتابعات والإعتبارات أُمور يتعرّفون بها حال الحديث، وكتاب مسلم التزم فيه الصحّة، فكيف يتعرّف حال الحديث الذي فيه بطرق ضعيفة.
واعلم أنّ (عن) مقتضية للإنقطاع عند أهل الحديث، ووقع في مسلم والبخاري من هذا النوع شيء كثير، فيقولون على سبيل التحنّق: ما كان من هذا النوع في غير الصحيحين فمنقطع، وما كان في الصحيحين فمحمول على الإتّصال.
وروى مسلم في كتابه عن أبي الزبير عن جابر أحاديث كثيرة بالعنعنة، وقال الحافظ: أبو الزبير محمد بن مسلم بن تدرس المكّي يدلّس في حديث جابر، فما كان يصفه بالعنعنة لا يقبل، وقد ذكر ابن حزم وعبدالحقّ عن الليث بن سعد أنّه قال لأبي الزبير: علّم لي أحاديث سمعتها من جابر حتى أسمعها منك، فعلّم لي أحاديث أظنّ أنّها سبعة عشر حديثاً فسمعتها منه، قال الحافظ: فما كان من طريق الليث عن أبي الزبير عن جابر صحيح.
وقد روى مسلم في كتابه أيضاً عن جابر وابن عمر في حجّة الوداع: إنّ النبي ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ توجّه إلى مكّة يوم النحر، وطاف طواف الإفاضة، ثم رجع فصلّى الظهر بمنى، فينحنقون ويقولون: أعادها لبيان الجواز، وغير ذلك من التأويلات، ولهذا قال ابن حزم في هاتين الروايتين: إحداهما كذب بلا شك.
وروى مسلم أيضاً حديث الإسراء وفيه: «وذلك قبل أن يوحى إليه» وقد تكلّم الحفّاظ في هذه اللفظة وبيّنوا ضعفها.
وروى مسلم أيضاً: «خلق اللّه التربة يوم السبت»، واتّفق الناس على أنّ يوم السبت لم يقع فيه خلق.
وروى مسلم عن أبي سفيان أنّه قال للنبي ـ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ـ لمّا أسلم: يا رسول اللّه أعطني ثلاثاً: تزوّج ابنتي أُمّ حبيبة، وابني معاوية اجعله كاتباً، وأمّرني أن أقاتل الكفار كما قاتلت المسلمين، فأعطاه النبي ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ والحديث معروف مشهور. وفي هذا من الوهم ما لا يخفى، فاُمّ حبيبة تزوّجها رسول اللّه ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ وهي بالحبشة وأصدقها النجاشي عن النبي ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ أربعمائة دينار، وحضر وخطب وأطعم، والقصّة مشهورة. وأبو سفيان إنّما أسلم عام الفتح وبين الهجرة إلى الحبشة والفتح عدّة سنين، ومعاوية كان كاتباً للنبي ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ من قبل، وأمّا إمارة أبي سفيان فقد قال الحافظ: إنّهم لا يعرفونها.
فيجيبون على سبيل التحنّق بأجوبة غير طائلة، فيقولون في نكاح ابنته: إعتقد أنّ نكاحها بغير إذنه لا يجوز وهو حديث عهد بكفر، فأراد من النبي ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ تجديد النكاح. ويذكرون عن الزبير بن بكّار بأسانيد ضعيفة أنّ النبي ـ صلّى اللّه عليه وسلّم ـ أمّره في بعض الغزوات، وهذا لا يعرف.
وما حملهم على هذا كلّه إلاّ بعض التعصّب.
وقد قال الحافظ: إنّ مسلماً لمّا وضع كتابه الصحيح عرضه على أبي زرعة الرازي فأنكر عليه وقال: سمّيته الصحيح فجعلت سلّماً لأهل البدع وغيرهم، فإذا روى لهم المخالف حديثاً يقولون: هذا ليس في صحيح مسلم.
فرحم اللّه تعالى أبا زرعة فقد نطق بالصواب، فقد وقع هذا.
وما ذكرت ذلك كلّه إلاّ أنّه وقع بيني وبين بعض المخالفين بحث في مسألة التورّك، فذكر لي حديث أبي حميد المذكور أوّلاً، فأجبته بتضعيف الطحاوي فما تلفّظ وقال: مسلم يصحّح والطحاوي يضعّف، واللّه تعالى يغفر لنا وله آمين»(2).
(1) ترجمته في: حسن المحاضرة 1 : 471، الدرر الكامنة 2 : 392، شذرات الذهب 6 : 238.
(2) الجواهر المضيّة في طبقات الحنفية 2 : 428 ـ 430.