من نوادر
الأخبار في أمر الخلافة
قال الراغب الإصفهاني في (المحاضرات):
«عن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال:
كنت أسير مع عمر بن الخطّاب في ليلة، وعمر على بغلة وأنا على فرس، فقرأ آية فيها ذكر علي بن أبي طالب.
فقال: أما والله يا بني عبدالمطّلب، لقد كان علي فيكم أولى بهذا الأمر منّي ومن أبي بكر.
فقلت في نفسي: لا أقالني الله إنْ أقلت، فقلت: أنت تقول ذاك يا أميرالمؤمنين، وأنت وصاحبك اللذان وثبتما وانتزعتما منّا الأمر دون الناس؟
فقال: إليكم يا بني عبدالمطّلب، أمّا إنّكم أصحاب عمر بن الخطّاب.
فتأخّرت وتقدّم هنيئةً.
فقال: سر لا سرت.
فقال: أعد علَيَّ كلامك.
فقلت: إنّما ذكرت شيئاً ورددت عليك جوابه، ولو سكتَّ لسكتنا.
فقال: أما والله ما فعلنا الذي فعلنا عن عداوة، ولكن استصغرناه وخشينا أنْ لا تجتمع عليه العرب، وقريش مواتروه.
قال: فأردت أن أقول: كان رسول الله يبعثه في الكتيبة فينطح كبشها ولم يستصغره، فتستصغره أنت وصاحبك.
فقال: لاجرم فكيف ترى والله ما نقطع أمراً دونه، ولا نعمل شيئاً حتّى نستأذنه»(1).
وروى الزبير بن بكار في (الموفقيات) باللفظ الآتي:
«عن عبدالله بن عبّاس قال: إنّي لاُماشي عمر بن الخطّاب في سكّة من سكك المدينة، إذ قال لي:
يا ابن عبّاس! ما أرى صاحبك إلاّ مظلوماً.
فقلت في نفسي: والله لا يسبقنّي بها، فقلت:
يا أميرالمؤمنين! فاردد إليه ظلامته.
فانتزع يده من يدي ومضى يهمهم ساعةً، ثمّ وقف فلحقته.
فقال يا ابن عبّاس! ما أظنّهم منعهم إلاّ أنّهم استصغروا سنّه.
فقلت في نفسي: هذه شرّ من الاُولى.
فقلت: والله ما استصغره الله ورسوله حين أمره أن يأخذ براءة من صاحبك.
فأعرض عنّي وأسرع. ورجعت عنه».
وروى الحافظ الزرندي في (نظم درر السمطين):
«عن نبيط بن شريط قال: خرجت مع علي بن أبي طالب كرّم الله وجهه ومعنا عبدالله بن عبّاس، فلمّا صرنا إلى بعض حيطان الأنصار وجدنا عمر بن الخطّاب جالساً وحده ينكت في الأرض.
فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: ما أجلسك يا أميرالمؤمنين هاهنا وحدك؟
قال: لأمر همّني.
فقال له علي: أفتريد أحدنا؟
فقال عمر: إن كان فعبدالله.
قال: فخلا معه عبدالله، ومضيت مع علي وأبطأ علينا ابن عبّاس، ثمّ لحق بنا.
فقال له علي: ما وراءك؟
فقال: يا أبا الحسن! اُعجوبة من عجائب أميرالمؤمنين اُخبرك بها واكتم علَيّ.
قال: لمّا أن وَلّيت، لرأيت عمر ينظر إليك وإلى أثرك ويقول: آه آه.
فقلت: بم تتأوّه يا أميرالمؤمنين؟
قال: من أجل صاحبك يا ابن عبّاس، وقد اُعطي ما لم يعط أحد من آل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ولولا ثلاث هنّ فيه ما كان لهذا الأمر يعني الخلافة أحد سواه.
قلت: يا أميرالمؤمنين! وما هنّ؟
قال: كثرة دعابته، وبغض قريش له، وصغر سنّه.
فقال له عليّ: فما رددت؟
قال: داخلني ما يداخل ابن العمّ لابن عمّه.
فقلت: يا أميرالمؤمنين! أمّا كثرة دعابته، فقد كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يداعب ولا يقول إلاّ حقّاً، ويقول للصبيّ ما يعلم أنّه يستميل به قلبه أو يسهل على قلبه. وأمّا بغض قريش له، فوالله ما يبالي ببغضهم، بعد أن جاهدهم في الله حتّى أظهر الله دينه، فقصم أقرانها وكسر آلهتها وأثكل نساءها في الله. وأمّا صغر سنّه، فلقد علمت أنّ الله تعالى حيث أنزل على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (براءة من الله ورسوله) وجّه بها صاحبه ليبلغ عنه، فأمر الله تعالى أن لا يبلغ عنه إلاّ رجل منه، فوجّهه في أثره وأمره أن يؤذن ببراءة، فهل استصغر الله تعالى سنّه؟
فقال عمر: أمسك عليّ واكتم واكتم، فإنْ سمعتها من غيرك لم أنم بين لابيتها»(2).
هذا، وفي حديث رواه بدرالدين محمّد بن عبدالله الشبلي(3) في كتاب (آكام المرجان) عن عبدالله بن مسعود ما يدلُّ على عدم رضا رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم باستخلاف الشيخين… وهذا نصّ الحديث كما رواه الشبلي بإسناده عن طريق جمع من الأكابر في كلام له حيث قال:
«وقد ورد ما يدلّ على أنّ ابن مسعود حضر ليلة اُخرى بمكّة غير ليلة الحجون.
فقال أبو نعيم: حدّثنا سليمان بن أحمد، حدّثنا محمّد بن عبدالله الحضرمي، حدّثنا علي بن الحسين بن أبي بردة البجلي، حدّثنايحيى بن يعلى الأسلمي، عن حرب بن صبيح، حدّثنا سعيد بن مسلم، عن أبي مرّة الصنعاني، عن أبي عبدالله الجدلي، عن عبدالله بن مسعود قال:
استتبعني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليلة الجنّ فانطلقت حتّى بلغنا أعلا مكّة، فخطّ علَيّ خطّاً وقال: لا تبرح، ثمّ انصاع في الجبال، فرأيت الرجال ينحدرون عليه من رؤوس الجبال حتّى حالوا بيني وبينه، فاخترطت السيف وقلت: لأضربنّ حتّى أستنقذ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ ذكرت قوله: لا تبرح حتّى آتيك.
قال: فلم أزل كذلك حتّى أضاء الفجر، فجاء النبيّ صلّى الله عليه وسلّم وأنا قائم فقال: ما زلت على حالك؟
قلت: لو مكثت شهراً ما برحت حتّى تأتيني، ثمّ أخبرته بما أردت أن أصنع.
فقال: لو خرجت ما التقيت وأنا وأنت إلى يوم القيامة، ثمّ شبك أصابعه في أصابعي وقال: إنّي وعدت أن تؤمن بي الجنّ والإنس; فأمّا الإنس فقد آمنت بي وأمّا الجنّ فقد رأيت، وما أظنّ أجلي إلاّ وقد اقترب.
قلت: يا رسول الله! ألا تستخلف أبابكر.
فأعرض عنّي، فرأيت أنّه لم يوافقه.
قلت: يا رسول الله! ألا تستخلف عمر؟
فأعرض عنّي فرأيت أنّه لم يوافقه.
قلت: يا رسول الله! ألا تستخلف عليّاً؟
قال: ذلك والذي لا إله غيره لو بايعتموه وأطعتموه أدخلكم الجنّة أكتعين»(4).
ورواه الحافظ سبط ابن الجوزي في كتاب (تذكرة خواصّ الاُمّة) عن أحمد بن حنبل بإسناده عن عبدالله بن مسعود كذلك، قال:
«قد روى الإمام أحمد عن عبدالرزاق عن أبيه عن مينا عن عبدالله بن مسعود قال: كنت مع النبي صلّى الله عليه وسلّم ليلة وفد الجن، فتنفّس، فقلت: يا مالك يا رسول الله؟
قال: نعيت إليَّ نفسي، يا ابن مسعود.
قلت: استخلف.
قال: ومن؟
قلت: أبوبكر.
قال: فسكت. ثمّ مضى ساعة، ثمّ تنفّس، فقلت: ما شأنك بأبي واُمّي يا رسول الله؟
قال: نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود.
قلت: استخلف.
قال: من؟
قلت: عمر.
فسكت، ثمّ مضى ساعة ثمّ تنفّس.
قلت: ما شأنك؟
قال: نعيت إليّ نفسي يا ابن مسعود.
قلت: فاستخلف.
قال: من؟
قلت: علي.
قال: أما والذي نفسي بيده لئن أطاعوه ليدخلون الجنّة أكتعين».
وأخرجه الطبراني وابن عساكر بإسنادهما عن مينا كذلك ـ كما في مجمع الزوائد(5) وبترجمة أمير المؤمنين من تاريخ دمشق ـ، و« مينا ابن أبي مينا» من التابعين ـ إن لم تكن له صحبة ـ وقد أخرج عنه الترمذي في صحيحه، وقد اتّهم بالتشيّع، بل وكذّب، لروايته مثل هذا الحديث.
(1) محاضرات الادباء 2: 478/ علي بن أبي طالب، من فضائله.
(2) نظم درر السمطين: 132 فصل في ذكر آثار عن الصحابة في حقّه.
(3) توجد ترجمته في الدرر الكامنة 3: 487 وغيرها. توفي سنة 769.
(4) آكام المرجان في أحكام الجان: 51.
(5) مجمع الزوائد 5: 185 .