فضل علم الحديث
قال الكرماني في (شرح البخاري):
«أمّا بعد; فإنّ علم الحديث بعد القرآن هو أفضل العلوم وأعلاها وأجلّ المعارف وأسناها، من حيث أنّه به يعلم مراد الله تعالى من كلامه، ومنه يظهر المقاصد من أحكامه; لأنّ أحكام القرآن جلّها بل كلّها كليّات، والمعلوم منه ليس إلاّ اُمور إجماليّات، كقوله: (أقيموا الصّلاة وآتوا الزكاة)، فإنّ السنّة هي المُعرِّفة بجزئيّاتها، كمقادير أوقات الصلاة وأعداد ركعاتها وكميّاتها وكيفيّاتها وفرائضها ونوافلها وهيئآتها وآدابها وأوضاعها وصفاتها، وهي الموضحة لمعضلاتها كأقدار نصب الزكاة وأنواع ما يجب فيها وأوقات الأداء، ومن وجبت عليه وما وجب منها وهلمّ جرّاً.
ولذلك كان أعلى العلماء قدراً وأنورهم بدراً وأفخمهم خطراً وأنبلهم شأناً وأعظمهم عند الله منزلة ومنزلاً وأكرمهم مكانة ومكاناً: حملة السنّة النبويّة وناقلوا أخبارها وحفظة الأحاديث وعاقلوا أسرارها ومحقّقوا ألفاظها وأرباب رواياتها ومدقّقوا معانيها وأصحاب درايتها، وهم الطائفة المنصورة المشيدة لمباني الحقّ والمسالك، ولن يزالوا ظاهرين عليه حتّى يأتي أمر الله وهم على ذلك»(1).
وما أكثر الأحاديث في فضل رواية الحديث، وقد روى في (كنز العمال):
«اللهم ارحم خلفائي الذين يأتون من بعدي، يروون أحاديثي وسنّتي ويعلّمونها الناس. طس عن علي.
رحمة الله على خلفائي. قيل: ومن خلفاؤك يا رسول الله؟ قال الذين يحييون سنّتي ويعلّمونها الناس. أبو نصر السجزي في الإبانة وابن عساكر عن الحسن بن علي»(2).
(1) الكواكب الدراري في شرح البخاري ـ مقدّمة الكتاب.
(2) كنز العمال 10: 221/29167 و10: 229/29209.