جهله بعلم الحديث وطلبه الرئاسة
والسبب في ذلك كلّه جهله بعلم الحديث واصوله وقواعده، وطلبه لعلم الفقه حبّاً للدنيا وطلباً للرياسة والشهرة، كما ذكر فيما روي بالإسناد عن أبي يوسف قال:
«قال أبو حنيفة: لمّا أردت طلب العلم جعلت أتخيّر العلوم وأسأل عن عواقبها.
فقيل لي: تعلّم القرآن.
فقلت: إذا تعلّمت القرآن وحفظته فما يكون آخره؟
قالوا: تجلس في المجلس بالمسجد ويقرأ عليك الصبيان والأحداث، ثمّ لا تلبث أن يخرج فيهم من هو أحفظ منك أو يساويك في الحفظ فيذهب رياستك.
قلت: فإن سمعت الحديث وكتبته حتّى لم يكن في الدنيا أحفظ منّي؟
قالوا: إذا كبرت وضعفت حدّثت واجتمع عليك الأحداث والصبيان، ثمّ لا يأمن أن تغلط فيرموك بالكذب، فيصير عاراً عليك في عقبك.
فقلت: لا حاجة لي في هذا.
ثمّ قلت: أتعلّم النحو، فقلت: إذا حفظت النحو والعربيّة ما يكون آخر أمري؟
قالوا: تقعد مُعلِّماً فأكبر رزقك ديناران أو ثلاثة.
قلت: وهذا لا عاقبة له.
قلت: فإن نظرت في الشعر، فلم يكن أحد أشعر منّي ما يكون أمري؟
قالوا: تمدح هذا، فيهب لك أو يحملك على دابّة ويخلع عليك خلعة، وإن حرمك هجوته فصرت تقذف المحصنات.
فقلت: لا حاجة لي في هذا.
قلت: فإن نظرت في الكلام ما يكون آخره؟
قالوا: لا يسلم من نظر في الكلام من مشنّعات الكلام، فيرمى بالزندقة، فإمّا أن يؤخذ فيقتل وإمّا أن يسلم فيكون مذموماً ملوماً.
قلت: فإن تعلّمت الفقه؟
قالوا: تُسئل وتفتي الناس وتطلب للقضاء وإن كنت شابّاً.
قلت: ليس في العلوم شيء أنفع من هذا. فلزمت الفقه وتعلّمته»(1).
فظهر أن الرجل لم يتعلّم القرآن والحديث والكلام، ولو صرفنا النظر عن علم الكلام واعتذرنا له بترك غيره من علمائهم هذا العلم أيضاً، كالشافعي الذي ذمّ الكلام بشدّة، فما العذر في ترك القرآن والحديث؟
(1) تاريخ بغداد 13: 331.