تكلّم أحمد وغيره فيه لمخالفته أخبار التبكير إلى الجمعة
ومن موارد التكلّم في مالك والطعن عليه: مخالفته لأخبار التبكير إلى الجمعة، إذْ تكلّم فيه بهذه المناسبة أحمد بن حنبل، وكذا ابن حبيب ـ وهو من أصحاب مالك ـ . ذكر ذلك ولي الدين أبو زرعة حيث قال بشرح الحديث الثالث من أحاديث باب صلاة الجمعة: «عن سعيد عن أبي هريرة يبلغ به النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: إذا كان يوم الجمعة كان على كلّ باب من أبواب المسجد ملائكة يكتبون الأوّل فالأوّل، فإذا خرج الإمام طويت الصحف. وعنه عن النبي صلّى الله عليه وسلّم: المهجر إلى الجمعة كالمهدي بدنة، والذي يليه كالمهدي كبشاً حتّى ذكر الدجاجة والبيضة».
قال أبو زرعة: «وقال القاضي عياض: وأقوى معتمد مالك في كراهيّة البكور إليها، عمل أهل المدينة المتّصل بترك ذلك وسعيهم إليها قرب صلاتها، وهذا نقل معلوم غير منكر عندهم ولا معمول بغيره، وما كان أهل عصر النبي صلّى الله عليه وسلّم ومن بعدهم ممّن يترك الأفضل إلى غيره ويتمالؤن على العمل بأقلّ الدرجات.
وذكر ابن عبدالبر أيضاً أنّ عمل أهل المدينة يشهد له، إنتهى.
وما أدري أين العمل الذي يشهد له، وعمر ينكر على عثمان رضي الله عنهما التخلّف، والنبي صلّى الله عليه وسلّم يندب إلى التبكير، في أحاديث كثيرة منها حديث أوس بن أوس: من بكَّر وابتكر، وفي آخره كان له بكلّ خطوة أجر عمل سنة صيامها وقيامها، وهو في السنن الأربعة وصحيحي ابن حبّان والحاكم.
وقد أنكر غير واحد من الأئمّة على مالك ـ رحمه الله ـ في هذه المسألة فقال الأثرم: قيل لأحمد: كان مالك يقول: لا ينبغي التهجير يوم الجمعة فقال: هذا خلاف حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وقال: سبحان الله إلى أيّ شيء ذهب في هذا والنبي صلّى الله عليه وسلّم يقول: كالمهدي جزوراً؟ وأنكر على مالك أيضاً ابن حبيب إنكاراً بليغاً فقال: هذا تحريف في تأويل الحديث ومحال من وجوه، لأنّه لا يكون ساعات في ساعة واحدة، فشرح الحديث بيّن في لفظه، ولكنّه حرف عن موضعه وشرح بالخلف من القول وزهد فيما رغب فيه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من التهجير في أوّل النهار، وزعم أنّ ذلك كلّه إنّما يجتمع في ساعة واحدة قرب زوال الشمس، حكاه عنه ابن عبدالبرّ وقال: هذا منه تحامل على مالك».
Menu