تكفير بعضهم بعضاً
* قد عرفت آنفاً أنّ أكابر الأساطين من أهل السنّة يكفّرون أباحنيفة النعمان، فقد نقل ذلك الحافظ الخطيب عن الحميدي ـ شيخ البخاري ـ وعن سعيد بن المسيّب وغيرهما…
* وأنّ الشيخ عبدالقادر الجيلاني قال بضلال الحنفيّة، وأنّهم من الفرق الهالكة في النّار…
* وأنّ الغزالي قال في (المنخول) بكفر أبي حنيفة وضلالته…
* وأنّ القاضي العضد والكرماني صرّحا بأنّ القول بالإستحسان من الكبائر أو من أسباب الكفر، وأنّ الشافعي قال: من استحسن فقد شرّع…
* وأنّ الثوري قال: بأنّ أباحنيفة قد نقض الإسلام عروةً عروة، وأنّه لم يولد في الإسلام أشأم منه…
* وأنّ قصّة صلاة القفال أيضاً تشتمل على تكفير أبي حنيفة وأتباعه، فكان حكاية ذلك سبباً لتكفير عليم الله بن عبدالرزاق المكي الحنفي في كتابه (السيف المسلول) الغزاليَّ وإمام الحرمين، إذ قال في جواب اليافعي: «وأمّا رابعاً: فلأنّكم حكمتم بمقتضى قولكم هذه الصلاة لا يجوّزها ذو دين: أنّ الإمام لا دين له، وأنّ ما ذهب إليه باطل. وفي هذا إنكار الإجماع وهو كفر».
* وقال القاري في كتابه في جواب رسالة إمام الحرمين: «ثمّ اعلم أنّي كنت أظنّ أنّ الرسالة المصنوعة إنّما تكون على إمام الحرمين موضوعة، لكنْ رأيت في بعض الكتب أنّه ذكرها اليافعي في كتابه (مرآة الجنان وعبرة اليقظان في معرفة حوادث الزمان وتقلّب أحوال الإنسان) إلاّ أنّ ما حسبوه شراباً كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماءً، أو كدواء لا يزيد العليل إلاّ داء، وقد قال الله عزّ وجلّ (وبدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون) وقال عزّ وجلّ: (ليحقّ الحقّ ويبطل الباطل ولو كره المجرمون) وقال سبحانه: (يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتمّ نوره ولو كره الكافرون).
* وكلام القاري في جواب صلاة القفال صريح في تكفير القفال…
* وقال الفخر الرازي في رسالته في ترجيح مذهب الشافعي في ذكر فتاوى الحنفيّة: «مسألة: يجوز عندهم الخروج من الصلاة بالضراط وسائر الأحداث، والدليل على بطلانه ما ذكرنا من أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم لم يفعل ذلك، فوجب أنْ يجب علينا أنْ لا نفعله، لقوله تعالى: (فاتّبعوه). ثمّ نقول: إنّ أحداً من فسّاق المسلمين لا يفعل ذلك، ولو فعل أحد ذلك لقالوا إنّه ملحد قد استخفّ بالدين والشرع، بل عندهم أنّ ترك الصلاة أهون بكثير من الصلاة المشتملة على هذه الفضائح».
* وابن قتيبة عدّ أباحنيفة وأبايوسف ومحمّد بن الحسن في المرجئة(1)، والمرجئة ـ كما في الأحاديث الكثيرة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ زنادقة ملحدون.
* وقد صرّح الذهبي بكون حمّاد من المرجئة(2).
* وقال يحيى بن معين في محمّد بن الحسن: جهمي كذّاب ومبطل مرتاب(3).
* وقال أبوالمؤيّد الخوارزمي (في جامع المسانيد) بضلال سفيان الثوري ومحمّد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى وشريك والحسن بن صالح، ونسبهم إلى مذهب الخوارج.
* وذكر في كتاب (الدرّ المختار) أشعارٌ لابن المبارك في مدح أبي حنيفة منها قوله:
«فلعنة ربّنا أعداد رمل *** على من ردّ قول أبي حنيفة»(4)
وهذه اللعنة تتوجّه إلى الشافعي وأتباعه… بل إنّها تشمل محمّد بن الحسن والقاضي أبا يوسف أيضاً، لأنّهما ردّا على كثير من أقوال أبي حنيفة.
* وكفّر الفضلي ـ وهو من الأئمّة المشاهير ـ الشافعيّة، على ما نقل عنه شمس الدين القهستاني في كتاب (جامع الرموز) فقد جاء فيه: «]ولا[ للمسلم نكاح امرأة ]كافرة غير كتابية[ كالوثنيّة والمجوسيّة والمرتدّة، كما أشار إليه، فلا يجوز به الوطي كما بملك اليمين. وفيه إشارة إلى أنّه يصحّ نكاح صابئية، قوم من النصارى يعظّمون الكواكب كتعظيم المسلمين الكعبة، وإلى أنّه لا يصحّ نكاح كتابيّة، قوم يعبدونها كعبادة الكافرين الأوثان، والأوّل قوله والثاني قولهما، فالخلاف بينهما لفظيّ كما ترى، وإلى أنّه لا يصحّ نكاح المعتزلة، لأنّها كافرة عندنا، وإلى أنّه لا يصحّ نكاح الشافعيّة، لأنّها صارت كافرة بالاستثناء، على ما روي عن الفضلي، ومنهم من قال نتزوّج بناتهم، الكلّ في المحيط. ولعلّ ترك التعرّض بمثله أولى، فإنّهم متأوّلون في ذلك كما بُيّن في محلّه».
* وقال أبو شكور السلمي الحنفي بكفر الأشاعرة، وأخرجهم من أهل السنّة والجماعة عندما قال في (التمهيد في بيان التوحيد): «قال أهل السنّة والجماعة: إنّ الله تعالى لم يزل خالقاً موصوفاً بهذه الصفة وسائر الصفات من صفات الفعل، وقالت الأشعريّة والكراميّة: ما لم يخلق الخلق لم يكن خالقاً، وهذا كفر».
* ونقل شهاب الدين الكازروني في (رسالة علم الباري) عن الغزالي أنّه قال: «الكفر تكذيب الرسول في شيء ممّا جاء به ضرورةً، فالأشعري يكفّر الحنبلي بإثباته الفوق واليد والاستواء، لأنّه تكذيب (ليس كمثله شيء)والحنبلي الأشعريَّ بنفيها، لأنّه تكذيب صريح للنصوص».
* وتكلّم ابن حجر المكّي في (شرح الشمائل) في ابن تيميّة وابن القيّم، وجعلهما من الظالمين والجاحدين، وصرّح بأنّهما يثبتان الجهة والجسميّة للباري تعالى، ووصفهما بسوء الإعتقاد وقول الزور والكذب، وبالضلال والبهتان ثمّ قال في حقّهما: «قبّحهما الله وقبّح من قال بقولهما»، وأيضاً، فقد نصَّ على أنّ اعتقادهما كفر عند الأكثرين.
* وقول ابن تيميّه بقدم العرش ـ وهو كفر محض ـ مذكور في (شرح العقائد) للدواني.
* وفي (تاريخ اليافعي) أنّه قد نودي في دمشق وغيره أنّ من كان على عقيدة ابن تيميّة فدمه وماله حلال(5).
* وقال ابن حجر العسقلاني في (الدرر الكامنة) إنّهم قالوا في ابن تيميّة: زنديق، ومنافق(6).
* وقد تناول ابن حجر المكّي ابن تيميّة بالتضليل في سائر مؤلَّفاته، ففي (الجوهر المنظّم في زيارة القبر المعظّم):
«فإن قلت: كيف تحكي الإجماع السابق على مشروعيّة الزيارة والسفر إليها وطلبهما، وابن تيميّة من متأخّري الحنابلة منكر لمشروعيّة ذلك كلّه، كما رواه السبكي في حطّه، وأطال ـ أعني ابن تيميّة ـ في الاستدلال لذلك بما تمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع، بل زعم حرمة السفر لها إجماعاً، وأنّه لا تقصر فيه الصلاة، وأنّ جميع الأحاديث الواردة فيها موضوعة، وتبعه بعض من تأخّر عنه من أهل مذهبه.
قلت: مَن ابن تيميّة حتّى ينظر إليه أو يعوّل في شيء من اُمور الدين عليه؟ وهل هو إلاّ كما قال جماعة من الأئمة ـ الذين تعقّبوا كلماته الفاسدة وحججه الكاسدة حتّى أظهروا عوار سقطاته وقبائح أوهامه وغلطاته كالعزّ ابن جماعة ـ : عبد أضلّه الله وأغواه وألبسه رداء الخزي وأرداه، وبوّأه من قوّة الإفتراء والكذب ما أعقبه الهوان وأوجب له الحرمان؟!
ولقد تصدّى شيخ الإسلام وعالم الأنام المجمع على جلالته واجتهاده وصلاحه وإمامته التقي السبكي ـ قدّس الله روحه ونوّر ضريحه ـ للردّ عليه في تصنيف مستقل، أفاد فيه وأجاد فأصاب وأوضح بباهر حججه طريق الثواب، فشكر الله مسعاه وأفاض عليه شآبيب رحمته ورضاه.
ومن عجائب الوجود ما تجاسر عليه بعض الحنابلة، فغبر في وجوه مخدّراته الحسان التي لم يطمثهنّ إنس قبله ولا جان، وأتى بما دلّ على جهله وأظهر به عوار غباوته وعدم فضله، فليته إذا جهل استحيى من ربّه وعساه إذا فرّط وأفرط رجع إلى لبّه، لكن إذا غلبت الشقاوة واستحكمت الغباوة فعياذاً بك اللّهمّ من ذلك، وضرعة إليك في أن تديم لنا سلوك أعظم المسالك.
هذا، وما وقع من ابن تيميّة ممّا ذكر ـ وإن كان عثرة لا تقال أبداً، ومصيبة يستمرّ عليه شؤمها دواماً وسرمداً ـ ليس بعجيب، فإنّه سوّلت له نفسه وهواه وشيطانه إنّه ضرب مع المجتهدين بسهم صائب، وما درى المحروم أنّه أتى بأقبح المعائب، إذ خالف إجماعهم في مسائل كثيرة، وتدارك على أئمّتهم ـ سيّما الخلفاء الراشدين ـ باعتراضات سخيفة شهيرة، وأتى من نحو هذه الخرافات بما يمجّه الأسماع وتنفر عنه الطباع، حتّى تجاوز إلى الجناب الأقدس المنزّه عن كلّ نقص، والمستحقّ لكلّ كمال أنفس، فنسب إليه العظائم والكبائر، وخرق سياج عظمته وكبرياء جلالته بما أظهره للعامة على المنابر، من دعوى الجهة والتجسيم وتضليل من لم يعتقد ذلك من المتقدّمين والمتأخرين، حتّى قام عليه علماء عصره، وألزموا السلطان بقتله أو حبسه وقهره، فحبسه إلى أن مات وخمدت تلك البدع، فزالت تلك الظلمات، ثمّ انتصر له أتباع لم يرفع الله لهم رأساً، ولم يظهر لهم جاهاً ولا بأساً، بل (ضربت عليهم الذلّة والمسكنة وباؤوا بغضب من الله ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون)».
* وكفَّر بعض فقهاء اليمن فقهاء زبيد، كما ذكر اليافعي في (مرآة الجنان):
«وفقهاء جبال اليمن مخالفون لفقهاء تهامتها، كما ذكر ابن سمرة أنّه وقع في زمان صاحب البيان تكفير من بعض فقهاء الجبال لفقهاء زبيد، هذا كلّه لانطوائهم على الجمود، وعدولهم عن الطريق المحمود»(7).
* وقال الحنفيّة بكفر البخاري، كما في كتاب (فصول الإحكام في أصول الأحكام):
«ذكر أبو سهل بن عبدالله، وهو أبو سهل الكبير، عن كثير من السلف رحمهم الله أنّ من قال القرآن مخلوق فهو كافر، ومن قال الإيمان مخلوق فهو كافر. وحكي أنّه وقعت هذه المسألة بفرغانة، فاُتي بمحضر منها إلى أئمة بخارا فكتب فيه الشيخ الإمام أبوبكر بن حامد والشيخ الإمام أبو حفص الزاهد والشيخ الإمام أبوبكر الإسماعيلي رحمهم الله: أنّ الإيمان غير مخلوق، ومن قال بخلقه فهو كافر، وقد خرج كثير من الناس من بخارا منهم محمّد بن إسماعيل صاحب الجامع بسبب قولهم الإيمان مخلوق».
* ومضر وكهمس وأحمد الهجيمي، كفّرهم القوم، لما ذهبوا إليه واعتقدوه من العقائد الفاسدة.
* وكذلك مقاتل بن سليمان.
* ونعيم بن حماد.
وهو من كبار علماء القوم ومن مشايخ البخاري وأبي داود والترمذي وابن ماجة، من مشاهير المجسّمة، وقد حكى الحافظ ابن الجوزي عنه القول بإثبات الوجه والأعضاء للباري عزّوجلّ(8).
* وابن مندة أيضاً من القائلين بالجهة، بل لقد ردّ اليافعي شهادة الذهبي ببراءته من التجسيم وقال بأنّها شهادة على أمر باطل.
* وصرّح اليافعي بأنّ مذهب المتأخّرين من الحنابلة هو القول بالجهة وبالصوت والحروف في كلامه تعالى، فقد ذكر اليافعي بعد ما أورده عن ابن سمرة أنّ يحيى بن أبي الخير صاحب كتاب البيان ـ وهو شافعي المذهب ـ كان ينتصر للحنابلة:
«أمّا ما ذكر من كون عقيدته حنبليّة، فصحيح بالنسبة إلى الحنابلة المتأخرين، حاشى الإمام أحمد والمتقدمين منهم، وقد أوضحت ذلك وأشبعت الكلام فيه في كتاب المرهم، وإليه أشرت بقولي:
وفي حشو مات كسوفان أظلما *** هما جهة وأحرف حاشا ابن حنبل
أعني: أنّ ذلك مذهب الحشويّة بعد أن استقرّت البدور لأئمّة كلّ مذهب، وذكرت أنّ بدور المذاهب الثلاثة أنارت، وأنّه حصل في بدور مذهب كسوفان مظلمان، وهما ما ذكرت من القول بالجهة والحرف والصوت في كلام الله تعالى.
أمّا ما ذكرت من كون الإمام أحمد والمتقدّمين من أصحابه براء ممّا ادّعاه المتأخرون منهم، فممّن نصّ على ذلك بعض الحنابلة وهو الإمام أبوالفرج ابن الجوزي، حتّى ذكر أنّهم صاروا سبَّةَ على المذهب باعتقادهم الذي يتوهّم غيرهم أنّه مذهب أحمد، وليس العجب من حنابلة الفروع وإنّما العجب من شافعيّة الفروع كصاحب البيان المذكور، ومن تابعه من أهل الجبال»(9).
أقول: القول بجسمية الباري وإثبات الجهة والمكان له، وإنكار صفاته الأزلية، موجب للكفر بالإجماع كما في (التحفة الاثنى عشرية)(10).
وكما قال الحنابلة بقدم الحرف والصوت، فقد قالوا بقدم جلد كلام الله أيضاً كما في (المواقف):
«ثمّ قال الحنابلة كلامه تعالى حرف وصوت يقومان بذاته وإنّه قديم، وقد بالغوا فيه حتّى قال بعضهم جهلاً: الجلد والغلاف قديمان»(11).
* وابن حبّان، وهو من كبار أئمة القوم في الفقه والحديث والجرح والتعديل، قالوا بكفره، لبعض عقائده(12).
* وكذا الحكيم الترمذي، قال المناوي في (فيض القدير):
«قال السّلمي: نفوه من ترمذ وشهدوا عليه بالكفر، بسبب تفضيله الولاية على النبوّة، وإنّما مراده ولاية النبيّ صلّى الله عليه وسلّم»(13).
وفي (مفتاح كنز الدراية):
«قال السّلمي: نفوه من ترمذ بسبب تاليفه كتاب ختم الولاية وكتاب علل الشريعة وقالوا: زعم أنّ للأولياء خاتماً وأنّه يفضّل الولاية على النبوّة، واحتجّ بقوله عليه السلام: يغبطهم النبيّون والشهداء، وقال: لو لم يكونوا أفضل منهم لم يغبطوهم…»(14).
وفي (لسان الميزان):
«وممّا أنكر عليه أنّه كان يفضّل الولاية على النبوّة، ويحتجّ بحديث: يغبطهم النبيّون، قال: لو لم يكونوا أفضل لما غبطوهم»(15).
* وصاحب (قوت القلوب) كفّروه ونقلوا عنه قوله:
«ليس على المخلوقين أضرّ من الخالق» ففي (ميزان الاعتدال):
«محمّد بن عليّ بن عطيّة، أبوطالب المكي، الزاهد الواعظ، صاحب القوت حدّث عن عليّ بن أحمد المصيصي والمفيد، وكان مجتهداً في العبادة، وحدّث عنه عبدالعزيز الأزجي وغيره.
قال الخطيب: ذكر في القوت أشياء منكرة في الصفات، وكان من أهل الجبل ونشأ بمكّة، قال لي أبوطالب العلاّف: إنّ أباطالب وعظ ببغداد وخلط في كلامه وحفظ عنه أنّه قال: ليس على المخلوقين أضرّ من الخالق، فبدّعوه وهجروه، فبطل الوعظ، مات سنة ست وسبعين وثلاثمائة»(16).
* وفي القوم جماعة ـ كالسهيلي وابن قتيبة وغيرهما ـ يقولون بوجود السّفاح في نسب نبيّنا صلّى الله عليه وآله وسلّم. وقد قال عدّة من الأعلام ـ كالحافظ مغلطاي والقطب الحلبي ومحمد بن يوسف الشامي ـ بأنّ من يقول هذا فهو كافر وخارج من جماعة المسلمين.
* ومنهم من يقول بكفر مجوّز المتعة، كما في كتاب (التمهيد في بيان التوحيد):
«وأمّا المتعة، فكانت مباحة ثمّ نسخت بآية النكاح، واجتمعت الاُمّة على نسخها، ومن أباح يصير كافراً».
* والشيخ علي القاري قال في (شرح الشمائل) بكفر من قرأ الشعر المتضمّن أنّ هجرة النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم كانت فراراً، فقد ذكر بعد نقل قول سلمة بن الأكوع «مررت على رسول الله منهزماً»:
«فقال العلماء: قوله «منهزماً» حال من ابن الأكوع كما صّح الخبر بانهزامه، ولم يرد أنّه صلّى الله عليه وسلّم انهزم، إذ لم يقل أحد من الصحابة أنّه صلّى الله عليه وسلّم انهزم في موطن من المواطن، ومن ثمّ أجمع المسلمون على أنّه لا يجوز عليه الإنهزام، فمن زعم أنّه انهزم في موطن من مواطن الحرب، اُدّب تأديباً عظيماً لائقاً بعظم جريمته، إلاّ أن يقوله على جهة التنقيص، فإنّه يكفر فيقتل، ما لم يتب على الأصح عندنا ومطلقاً عند مالك وجماعة من أصحابنا، وبالغ بعضهم فنقل فيه الإجماع، بل لو أطلق ذلك قتل عندهم، على ما أشار إليه بعض محقّقيهم، إنتهى.
فما وقع لبعض سلاطين ماوراء النهر ـ وهو عبيدالله خان ـ في بيته المشهور المنسوب إلى الملاّ جامي، حيث جعل هجرته صلّى الله عليه وسلّم من مكّة إلى المدينة فراراً، أقبح من ذلك كلّه، فالحذر الحذر من التلفّظ ببيته على وجه الاستحسان، فإنّه كفر صريح عند العلماء الأعيان العارفين بالمعاني والبيان».
وفي (الشفاء) عن القاضي أبي عبدالله بن مرابط المالكي:
«من قال إنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم هزم، يستتاب، فإن تاب وإلاّ فيقتل، لأنّه تنقّص، إذ لا يجوز ذلك عليه في خاصّته، إذ هو على بصيرة من أمره ويقين من عصمته»(17).
(1) كتاب المعارف: 625.
(2) ميزان الاعتدال 2: 364 ـ 365/2256.
(3) اُنظر الضعفاء الكبير للعقيلي 4: 52/1606، الكامل في ضعفاء الرجال 6: 2183.
(4) الدر المختار 1: 68.
(5) مرآة الجنان 4: 180.
(6) الدرر الكامنة 1: 155.
(7) مرآة الجنان 3: 249 ـ 250.
(8) دفع شبه التشبيه: 152 تحقيق حسن السقّاف.
(9) مرآة الجنان وعبرة اليقظان 3: 247.
(10) التحفة الاثنا عشرية: 141 ـ 142.
(11) شرح المواقف في علم الكلام 3: 128.
(12) ميزان الاعتدال 6: 99/7352، لسان الميزان 6: 9/7233 ترجمة ابن حبان.
(13) فيض القدير ـ شرح الجامع الصغير 1: 116.
(14) مفتاح كنز دراية المجموع ـ مخطوط.
(15) لسان الميزان 6: 393/7888.
(16) ميزان الاعتدال 6: 266 ـ 267/7982.
(17) الشفا في بيان حقوق المصطفى 2: 482 ـ 483.