تكذيب الحديث الثاني لاشتماله على نفي أبي ذر
وكذَّب بعضهم الحديث الثاني ـ بسبب اشتماله على نفي عثمان أباذر الغفاري رضي الله عنه من المدينة المنوّرة ـ مدّعياً أنّ هذا من مفتريات الإماميّة وموضوعاتهم.
لكنّ نفي أبي ذر من المدينة المنوّرة من الاُمور الثابتة في التاريخ، وإنكاره عناد محض وتعصّب، فالواقدي روى القضيّة في (تاريخه) كما في (الشافي) وغيره، وكذا سبط ابن الجوزي في (تذكرته)، وأحمد بن عبدالعزيز الجوهري روى الخبر ومكالمة أميرالمؤمنين وعقيل والحسن والحسين عليهم السلام معه لدى خروجه، وروى القصّة أيضاً: جمال الدين المحدّث الشيرازي في (روضة الأحباب).
وتجد الخبر في (المعارف) و(وفيات الأعيان) و(تاريخ الخميس) و(حياة الحيوان) و(شرح الجامع الصغير) للعلقمي وغيرها.
وروى الخبر شاه وليّ الله الدهلوي والد صاحب التحفة في كتاب (إزالة الخفا في سيرة الخلفا).
وقد أخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أباذر بذلك… وهذا أيضاً موجود في روايات القوم وكتبهم المعتبرة، أمثال (جامع عبدالرزاق) و(مسند أحمد) و(مسند أبي يعلى) و(فتح الباري) و(جمع الجوامع) و(الجامع الصغير) و(كنز العمال).
ففي (فتح الباري):
«ولأحمد وأبي يعلى من طريق أبي الحرث عن أبي الأسود عن عمّه عن أبي ذر قال: إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال له:
كيف تصنع إذا اُخرجت من المسجد النبوي؟
قال: آتي الشام.
قال: كيف تصنع إذا اُخرجت منها؟
قال: أعود إليه.
قال: كيف تصنع إذا اُخرجت منه؟
قال: أضرب بسيفي.
قال صلّى الله عليه وسلّم: ألا أدلّك على ما هو خير لك من ذلك وأقرب رشداً؟ تسمع وتطيع وتنساق لهم حيث ساقوك.
وعند أحمد أيضاً من طريق شهر بن حوشب، عن أسماء بنت يزيد، عن أبي ذر نحوه»(1).
وفي (مسند أحمد بن حنبل):
«عن عبدالرّحمان بن غنم عن أبي ذر قال: كنت أخدم النبي صلّى الله عليه وسلّم، ثمّ آتي المسجد إذا أنا فرغت من عملي فأضطجع فيه، فأتاني النبيّ صلّى الله عليه وسلّم يوماً وأنا مضطجع فغمزني برجله فاستويت جالساً فقال:
يا أباذر، كيف تصنع إذا اُخرجت منها؟
فقلت: أرجع إلى مسجد النبي صلّى الله عليه وسلّم وإلى بيتي.
قال: فكيف تصنع إذا اُخرجت منها؟
قال: إذاً آخذ بسيفي فأضرب به من يخرجني.
فجعل النبي يضرب يده على منكبه فقال: غفراً يا أباذر ـ ثلاثاً ـ بل تنقاد معهم حيث قادوك وتنساق معهم حيث ساقوك ولو عبداً أسود.
قال أبوذر: فلمّا نفيت إلى الربذة واُقيمت الصلاة فتقدّم عبد أسود كان فيها على نعم الصدقة…»(2).
وفي (كنز العمّال): «عن طاوس قال: قال النبي لأبي ذر: مالي أراك لقّابقّا كيف بك إذا أخرجوك من المدينة؟
قال: آتي الأرض المقدّسة.
قال: فكيف بك إذا أخرجوك منها؟
قال: آتي المدينة.
قال: فكيف بك إذا أخرجوك منها؟
قال: آخذ سيفي فأضرب به.
قال: لا ولكن إسمع وأطع وإن كان عبداً أسود.
فلمّا خرج أبوذر إلى الربذة، وجد بها غلاماً لعثمان أسود، فأذّن وأقام ثمّ قال: تقدّم يا أباذر. قال: لا، إنّ رسول الله أمرني أن أسمع واطيع وإن كان عبداً أسود.
فتقدّم فصلّى خلفه. عب»(3) أي رواه عبدالرزاق في جامعه.
وفي (شرح الجامع الصغير) لنورالدين علي العزيزي:
«جندب بن جنادة الغفاري، كنيته أبوذر طريد اُمّتي، أي: مطرودها، يطردونه، يعيش وحده، ويموت وحده، والله يبعثه يوم القيامة وحده»(4).
(1) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري 3: 213.
(2) مسند أحمد بن حنبل 6: 177/20784.
(3) كنز العمّال 5: 782/14376 و12: 256/34926.
(4) السراج المنير في شرح الجامع الصغير 2: 464.