الموضوعات في سنن ابن ماجة
ومع هذا كلّه، فقد نصّوا على أنّ فيه أحاديث منكرة وموضوعة:
قال الصلاح الصفدي بترجمته: «قال الشيخ شمس الدين: إنّما نقص رتبة كتابه بروايته أحاديث منكرة فيه»(1).
وقال الذهبي بترجمة داود بن المحبر بن قحدم، بعد حديث ستفتح مدينة يقال لها قزوين… «فلقد شان ابن ماجة سننه بإدخاله هذا الحديث الموضوع فيها»(2).
وقال الدهلوي في (رجال المشكاة): «وروى في فضل قزوين حديثاً في سننه وطعنوا وعابوا عليه من هذه الجهة، لأنّه منكر بل موضوع، وجاءت في فضل قزوين أحاديث كلّها موضوعة عند المحدّثين، وضعها ميسرة أحد الوضّاعين».
هذا، وقد أدرج ابن الجوزي في (الموضوعات) كثيراً من أحاديث (سنن ابن ماجة):
(منها): «حدّثنا محمّد بن عبدالملك بن أبي الشوارب، نا أبو عاصم العباداني نا الفضل الرقاشي، عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنهما ـ قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بينا أهل الجنّة في نعيمهم، إذْ سطع لهم نور، فرفعوا رؤسهم، فإذا الرب قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنّة، قال: وذلك قول الله تعالى: (سلام قولاً من ربّ رحيم)قال: فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يلتفتون إلى شيء من النعيم ما داموا ينظرون إليه حتّى يحتجب عنهم ويبقى نوره وبركته عليهم في ديارهم»(3).
فهذا الحديث أورده ابن الجوزي في (الموضوعات) وذكر له السيوطي في (اللآلي المصنوعة) طريقاً آخر، فرواه عن غير الفضل الرقاشي، لكنّه غير صحيح كذلك، قال:
«ثنا أحمد بن محمّد بن عبدالخالق، ثنا الحسين بن علي الصدائي، ثنا عبدالله بن أبي بكر المقدمي، ثنا عبدالله بن عبيدالله القرشي، عن الفضل الرقاشي عن محمّد بن المنكدر، عن جابر بن عبدالله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بينا أهل الجنّة في نعيمهم، إذ سطع لهم نور، فنظروا فإذا الربّ قد أشرف عليهم من فوقهم فقال: السلام عليكم يا أهل الجنّة، فذلك قوله (سلام قولاً من ربّ رحيم) قال: فينظر إليهم وينظرون إليه، فلا يزالون كذلك حتّى يحتجب فيبقى نوره وبركته عليهم وفي دارهم.
موضوع، الفضل رجل سوء. قال العقيلي: هذا الحديث لا يعرف إلاّ بعبدالله بن عبيدالله، ولا يتابع عليه.
قلت: أخرجه ابن ماجة في سننه: ثنا محمّد بن عبدالملك بن أبي الشوارب، ثنا أبو عاصم العباداني ـ وهو عبدالله بن عبيدالله ـ ثنا الفضل الرقاشي به.
وورد من حديث أبي هريرة، أخرجه ابن النجار في تاريخه قال: كتب إليّ أبو عبدالله محمّد بن حمد الأرتاحي: أنّ أباالحسن علي بن الحسين بن عمر الفراء أخبره، أنا أبوالحسين نصر بن عبدالعزيز بن أحمد المقري الشيرازي، ثنا أبوالحسين محمّد بن يزيد القصري، ثنا أبوالقاسم سليمان بن أحمد الطبراني، ثنا بكر بن سهل الدمياطي، ثنا عمرو بن هاشم البيروتي، ثنا سليمان بن أبي كريمة، عن ابن جريج عن أبي صالح عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: بينا أهل الجنّة في مجلس لهم، إذ لمع لهم نور غلب على نور الجنّة، فرفعوا رؤوسهم، فإذا الربّ تبارك وتعالى قد أشرف عليهم، فقال سبحانه: سلوني. فقالوا: نسألك الرضى. فقال: رضاي أحلّكم داري وأنالكم كرامتي وهذا أوانها، فشكّوا فيقولون: نسألك الزيارة إليك، فيؤتون بنجائب من نور، تضع حوافرها عند منقمي طرفها وتقودهم الملائكة بأزمّتها، فتنتهي بهم إلى دار السرور، فينصبغون بنور الرحمن ويسمعون قوله مرحباً بأحبابي وأهل طاعتي، فرجعوا بالتحف إلى منازلهم، ثمّ تلا النبي صلّى الله عليه وسلّم هذه الآية (نزلاً من غفور رحيم).
سليمان بن أبي كريمة، قال ابن عدي: عامّة أحاديثه مناكير، ولم أر للمتقدّمين فيه كلاماً، والله أعلم»(4).
أقول:
و«الفضل الرقاشي» ـ وإنْ أوجز ابن الجوزي الكلام فيه على ما نقل عنه السيوطي ـ فيه طعن كثير، قال ابن حجر بترجمته:
«ق ـ الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي، أبو عيسى البصري الواعظ، روى عن: عمّه يزيد بن أبان الرقاشي وعن أنس وأبي عثمان النهدي ومحمّد ابن المنكدر والحسن البصري وأبي الحكم البجلي. روى عنه: ابن أخيه المعتمر بن سليمان وأبو عاصم العباداني وأبو عاصم النبيل والحكم بن أبان العبدي وعلي بن عاصم الواسطي وآخرون.
قال سلاّم بن أبي مطيع عن أيّوب: لو أنّ فضلاً ولد أخرس لكان خيراً له.
وقال عبدالله بن أحمد بن حنبل عن أبيه: ضعيف.
وقال ابن أبي خيثمة عن ابن معين: كان قاصاً وكان رجل سوء. قلت: كيف حديثه؟ قال: لا تسأل عن القدري الخبيث.
وقال إسحاق بن منصور عن ابن معين: سئل عنه ابن عيينة. فقال: لا شيء.
وقال أبو زرعة: منكر الحديث.
وقال أبو حاتم: منكر الحديث في حديثه بعض الوهن، ليس بقوي.
وقال الآجري: قلت لأبي داود: أكتب حديث الفضل الرقاشي قال: لا ولا كرامة. وقال مرّة: سَلْ مالكاً. وقال مرّة: حدّث حمّاد بن عدي، عن الفضل ابن عيسى وكان من أخبث الناس قولاً، وقال مرّة: حدّثنا سليمان بن حرب، حدّثنا حمّاد بن زيد، عن فضل الرقاشي، عن ابن المنكدر عن جابر رفعه: ينادي رجل يوم القيامة: واعطشاه، الحديث. فقال أبو داود: هذا حديث نسبه فضل الرقاشي.
وقال النسائي: ضعيف، وقال في موضع آخر: ليس بثقة.
وقال ابن عدي: الضعف بيّن على ما يرويه.
قلت: وقال البخاري في الأوسط عن ابن عيينة: كان يرى ا لقدر وكان أهلاً أن لا يُروى عنه.
وقال الساجي: كان ضعيف الحديث قدريّاً. قال: وسمعت ابن مثنّى يقول: كان يحيى وعبدالرحمن لا يحدّثان عنه، وكان يشبّهه بأبان بن أبي عيّاش وأمثاله.
وكذا رواه العقيلي في الضعفاء عن الساجي، ونقل كثيراً ممّا تقدّم.
وقال يعقوب بن سفيان: مفتر ضعيف الحديث.
وقال ابن حبّان في الثقات: الفضل بن عيسى روى عن أنس، إن كان هو الرقاشي فليس بفضل»(5).
وقال الذهبي: «الفضل بن عيسى الرقاشي ابن أخي يزيد الرقاشي، يروي عن أنس وغيره، ضعّفوه، وهو بصري خال للمعتمر بن سليمان.
قال أحمد: ضعيف. وقال البخاري: يروي عن عمّه يزيد والحسن. قال ابن عيينة: كان يرى القدر.
وقال سلاّم بن أبي مطيع: لو أنّ فضلاً الرقاشي ولد أخرس كان خيراً له…
قال أحمد بن زهير: سألت ابن معين عن الفضل الرقاشي فقال: كان قاصّاً، رجل سوء. قلت: فحديثه؟ قال: لا تسأل عن القدري الخبيث.
وقال أبو سلمة التبوذكي: لم يكن أحد ممّن يتكلّم في القدر أخبث قولاً من الفضل الرقاشي، وهو خال المعتمر»(6).
وأيضاً قال: «الفضل بن عيسى بن أبان الرقاشي الواعظ، عن أنس وأبي عثمان النهدي، وعنه أبو عاصم وعلي بن عاصم وجمع. ساقط»(7).
وأمّا «سليمان بن أبي كريمة» الراوي في الطريق الآخر، ففي (الميزان):
«سليمان بن أبي كريمة، شامي، عن هشام بن عروة… ضعّفه أبو حاتم، وقال ابن عدي: عامّة أحاديثه مناكير ولم أر للمتقدمين فيه كلاماً»(8).
(ومنها): «حدّثنا إسماعيل بن محمّد الطلحي، ثنا ثابت بن موسى أبو يزيد عن شريك عن الأعمش، عن أبي سفيان عن جابر قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار»(9).
قال السيوطي في (مصباح الزجاجة):
«قال العقيلي: هذا الحديث باطل ليس له أصل ولا يتابع ثابتاً عليه ثقة.
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: هذا الحديث لا يعرف إلاّ بثابت، وهو رجل صالح، وكان دخل على شريك وهو يملي ويقول: ثنا الأعمش عن أبي سفيان عن جابر عن النبي. فلمّا رأى ثابتاً قال: من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار ـ وقصد به ثابتاً ـ فظنّ أنّه متن الإسناد، وسرقه منه جماعة ضعفاء. إنتهى.
وأخرج البيهقي في الشعب عن محمّد بن عبدالرحمن بن كامل بن الأصبغ قال: قلت لمحمّد بن نمير: ما تقول في ثابت بن موسى؟ قال: شيخ له فضل وإسلام ودين وصلاح وعبادة. قلت: ما تقول في هذا الحديث؟ قال: غلط من الشيخ، وأمّا غير ذلك فلا يتوهّم عليه.
وقد تواردت أقوال الأئمّة أنّ هذا الحديث من الموضوع على سبيل الغلط لا التعمّد، وخالفهم القضاعي في مسند الشهاب فمال إلى ثبوته، وقد سقت كلامه في اللآلي المصنوعة».
فانظر إلى أيّ مرتبة تنزل روايات سنن ابن ماجة؟! ومع ذلك يجعلون هذا الكتاب من الصحاح الستّة؟!
(ومنها): «حدّثنا عمرو بن رافع قال: نا علي بن عاصم، عن محمّد بن سوقة عن إبراهيم عن الأسود، عن عبدالله قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من عزّى مصاباً فله مثل أجره»(10).
وأورده ابن الجوزي في الموضوعات، وتكلّم فيه غيره. قال السيوطي:
«هذا الحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات وقال: تفرّد به علي ابن عاصم عن محمّد بن سوقة، وقد كذّبه شعبة ويزيد بن هارون ويحيى بن معين.
وقال الترمذي بعد إخراجه: يقال: أكثر ما ابتلي به علي بن عاصم هذا الحديث، نقموه عليه.
وقال البيهقي: تفرّد به علي بن عاصم، وهو أحد ما أنكر عليه قال: وقد روي أيضاً عن غيره.
وقال الخطيب: هذا الحديث ممّا أنكره الناس على علي بن عاصم، وكان أكثر كلامهم فيه بسببه».
(ومنها): «حدّثنا أحمد بن يوسف قال: حدّثنا عبدالرزاق قال: أنا ابن جريج.
ح ونا أبو عبيدة بن أبي السفر قال: حدّثنا حجّاج بن محمّد قال قال ابن جريج: أخبرني إبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى، عن موسى بن وردان، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من مات مريضاً مات شهيداً ووقّي فتنة القبر، وغدي وريح عليه برزقه من الجنّة»(11).
قال السيوطي: «هذا الحديث رواه ابن الجوزي في الموضوعات، وأعلّه بإبراهيم بن محمّد بن أبي يحيى الأسلمي، فإنّه متروك.
قال: وقال أحمد بن حنبل: إنّما هو من مات مرابطاً.
وقال الدارقطني: ثنا ابن مخلد، ثنا أحمد بن علي الأبار، ثنا ابن أبي سكينة الحلبي سمعت إبراهيم بن أبي يحيى يقول: حدّثت ابن جريج بهذا الحديث: من مات مرابطاً، فروى عنّي: من مات مريضاً وما هكذا حدّثته…».
وقال بعد أن رواه من طريق عبدالرزاق: «لا يصحّ، ومداره على إبراهيم ابن محمّد بن أبي يحيى…»(12).
(ومنها): «حدّثنا الحسن بن علي الخلال، ثنا بشر بن ثابت البزار، نا نصر بن القاسم، عن عبدالرحيم بن داود، عن صالح بن صهيب عن أبيه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ثلاث فيهنّ البركة: البيع إلى أجل والمقارضة وإخلاص البر بالشعير للبيت لا للبيع»(13).
قال ابن الجوزي: موضوع… قال السيوطي: «قلت: أخرجه ابن ماجة في سننه من طريق عبدالرحمن وقال الذهبي: إنّه حديث واه»(14).
(ومنها): «حدّثنا محمّد بن إسماعيل بن سمرة، حدّثني محمّد بن يعلى السلمي، ثنا عمر بن صبح، عن عبدالرحمن بن عمرو، عن مكحول عن اُبي ابن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لرباط يوم في الله من وراء عورة المسلمين محتسباً من غير شهر رمضان، أعظم من عبادة مائة سنة صيامها وقيامها، ورباط يوم في سبيل الله من وراء عورة المسلمين محتسباً من شهر رمضان، أفضل عند الله وأعظم أجراً. أراه قال: من عبادة ألف سنة…»(15).
قال السيوطي: «قال الحافظ زكي الدين المنذري في الترغيب: آثار الوضع لائحة على هذا الحديث، ولا عجب وراويه عمر بن صبح.
وقال الحافظ عماد الدين ابن كثير في جامع المسانيد: خلق بهذا الحديث أن يكون موضوعاً، لما فيه من المجازفة، ولأنّ راويه عمر بن صبح أحد الكذّابين المعروفين بوضع الحديث».
(ومنها): «حدّثنا إسماعيل بن أسد، ثنا داود بن المحبر، أنا الربيع بن صبيح عن يزيد بن أبان عن أنس بن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ستفتح عليكم الآفاق، وستفتح عليكم مدينة يقال لها قزوين، من رابط فيها أربعين يوماً…»(16).
قال السيوطي: «والحديث أورده ابن الجوزي في الموضوعات من طريق ابن ماجة وقال: موضوع، داود وضّاع، وهو المتّهم به. والربيع ضعيف، ويزيد متروك.
وقال المزّي في التهذيب: هو حديث منكر لا يعرف إلاّ من رواية داود».
(ومنها): «حدّثنا هشام بن عمّار، نا عبدالملك بن محمّد الصنعاني، نا أبو سلمة العاملي، عن ابن شهاب، عن أنس بن مالك: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لأكثم بن الجون الخزاعي: يا أكثم، اُغز مع غير قومك، يحسن خلقك وتكرم على رفقائك، يا أكثم، خير الرفقاء أربعة وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف، ولن يغلب اثنا عشر ألفاً من قلّة»(17).
قال السيوطي: «قال ابن أبي حاتم: سمعت أبي يقول: العاملي متروك والحديث باطل».
وقال الذهبي: «الحكم بن عبدالله بن خطّاف أبو سلمة. قال أبو حاتم: كذّاب، وقال الدارقطني: كان يضع الحديث. روى عن الزهري عن ابن المسيّب نسخةً نحو خمسين حديثاً لا أصل لها، وقال ابن معين وغيره: ليس بثقة»(18).
(ومنها): «حدّثنا عبدالوهّاب بن الضحاك، نا إسماعيل بن عياش عن صفوان بن عمرو قال قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله اتخذني خليلاً كما اتخذ إبراهيم خليلاً، فمنزلي ومنزل إبراهيم في الجنّة يوم القيامة تجاهين، والعباس بيننا مؤمن بين خليلين»(19).
وهذا الحديث قلبه الوضّاعون من أميرالمؤمنين إلى العبّاس، وقد حكم الحفاظ بوضعه:
قال السيوطي ـ نقلاً عن ابن الجوزي ـ : «موضوع.
قال العقيلي: عبدالوهّاب متروك الحديث، وليس لهذا الحديث أصل عن ثقة ولا يتابعه إلاّ من هو دونه أو مثله.
وقال ابن عدي: هذا الحديث يعرف بعبدالوهّاب وسرقه منه الباهلي، وكان يسرق الحديث ويحدّث عن الثقات بالأباطيل»(20).
وقد ترجم ابن حجر «عبدالوهّاب» هذا فقال:
«قال البخاري: عنده عجائب.
وقال أبو داود: كان يضع الحديث قد رأيته.
وقال النسائي: ليس بثقة، متروك.
وقال العقيلي والدارقطني والبيهقي: متروك.
وقال صالح بن محمّد الحافظ: منكر الحديث، عامة حديثه كذب.
وقال ابن أبي حاتم: سمع منه ابن أبي سلمة وترك حديثه والرواية عنه.
وقال محمّد بن عون: قيل لي إنّه كان يأخذ فوائد ابن اليمان يحدّث بها عن إسماعيل بن عيّاش، وحدّث بأحاديث كثيرة موضوعة. قال: فرحت إليه فقلت: ألا تخاف الله تعالى، فضمن لي أن لا يُحدّث بها، فحدّث بها بعد ذلك.
وقال ابن عدي: وأظنّ قال عبدان كان البغداديّون يلعنونه فمنعتهم.
قلت: وقال الدارقطني في موضع آخر: له عن إسماعيل بن عيّاش وغيره مقلوبات وبواطيل.
وقال الآجري: عن أبي داود غير ثقة ولا مأمون.
وقال ابن حبّان: كان يسرق الحديث لا يحلّ الإحتجاج به.
وقال الحاكم: روى أحاديث موضوعة»(21).
وقال الذهبي: «ق ـ عبدالوهاب بن الضحاك الحمصي العرضي عن إسماعيل بن عيّاش وبقيّة.
كذّبه أبو حاتم.
وقال النسائي وغيره: متروك.
وقال الدارقطني: منكر الحديث.
وقال البخاري: عنده عجائب ثمّ قال: حدّثني عبدالله، ثنا عبدالوهّاب بن الضحّاك، ثنا ابن عيّاش، عن هشام، عن أبيه، عن عائشة قال لنا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: ويحك، فجزعت منها، فقال يا حميراء: لا تجزعي منها، فإن وَيْسَك وويحك رحمة، لكن اجزعي من الويل.
ثمّ قال البخاري: يوسف بن موسى، ثنا عبدالوهّاب، ثنا إسماعيل بن عيّاش عن صفوان بن عمرو عن عبدالله بن بُسَر عن أبي اُمامة مرفوعاً: حبّبوا الله إلى الناس يحبّكم الله. ومن بلاياه روايته عن إسماعيل، عن صفوان بن عمرو، عن عبدالرحمن بن جبير، عن كثير بن مرّة، عن عبدالله بن عمرو حديث: إنّ الله اتّخذني خليلاً، ومنزلي ومنزل إبراهيم في الجنّة تجاهين والعبّاس بيننا مؤمن بين خليلين.
وقال ابن حبّان: يكنى أبا الحرث السلمي، كان ممّن يسرق الحديث. حدّثنا عنه جماعة. ثمّ ذكر ابن حبّان أنّ الحديث المذكور حدّثه عنه به عمر بن سنان وأبو عروبة وغيرهما»(22).
وقال أيضاً: «عبدالوهّاب بن الضحاك السلمي العرضي ثمّ الحمصي نزيل سلمية. عن: عبدالعزيز أبي حازم وإسماعيل بن عيّاش. وعنه: ق والحسن بن سفيان وأبو عروبة قال: ويضع الحديث، مات 245»(23).
ثمّ إنّ السيوطي قد ذكر الحديث الحقّ الوارد في الباب، وذلك أنّه قال بعد الكلمات المتقدمة في حديث عبدالوهاب: «وله طريق آخر: قال الحاكم…» وهذا نصّ عبارته كاملةً:
«العقيلي: ثنا أحمد بن داود القومسي، ثنا عبدالوهّاب بن الضحّاك، ثنا إسماعيل بن عيّاش، عن صفوان بن عمرو، عن عبدالرحمن بن جبير، عن كثير بن مرّة عن عبدالله بن عمرو قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله عزّ وجلّ اتّخذني خليلاً كما اتّخذ إبراهيم خليلاً، ومنزلي ومنزل إبراهيم يوم القيامة في الجنّة تجاهين والعبّاس بيننا مؤمن بين خليلين.
ابن عدي: ثنا محمّد بن عبدة بن حرب، ثنا أحمد بن معاوية الباهلي، ثنا إسماعيل بن عيّاش به. موضوع.
قال العقيلي: عبدالوهّاب متروك الحديث وليس لهذا الحديث أصل عن ثقة، ولا يتابعه إلاّ من هو دونه أو مثله.
وقال ابن عدي: هذا الحديث يعرف بعبدالوهّاب، وسرقه منه الباهلي، وكان يسرق الحديث ويحدّث عن الثقات بالأباطيل.
قلت: أخرجه ابن ماجة: ثنا عبدالوهّاب به.
وله طريق آخر: قال الحاكم في تاريخه: ثنا أبو حبيب المصاحفي، ثنا أبي، ثنا أحمد بن أبي الوجيه الجوزجاني، ثنا أبو معقل يزيد بن معقل عن موسى بن عقبة عن سالم عن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله اتّخذني خليلاً كما اتّخذ إبراهيم خليلاً، فقصري في الجنّة وقصر إبراهيم في الجنّة متقابلان، وقصر عليّ بين قصري وقصر إبراهيم، فياله من حبيب بين خليلين»(24).
فهذا هو الحديث الصحيح الحق، وقوله «وله طريق آخر…» غلط واضح.
وقد أخرج حديث حذيفة سائر الحفّاظ أيضاً، قال المحبّ الطبري ـ في فضائل علي عليه السلام ـ: «ذكر قصره وقبّته في الجنّة: عن حذيفة قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّ الله اتّخذني خليلاً، وإنّ قصري في الجنّة وقصر إبراهيم في الجنّة متقابلان، وقصر علي بن أبي طالب بين قصري وقصر إبراهيم، فياله من حبيب بين خليلين. أخرجه أبوالخير الحاكمي»(25).
(ومنها): «حدّثنا إسماعيل بن محمّد الطلحي، أنا داود بن عطا المديني، عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن اُبي بن كعب قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أوّل من يصافحه الحق عمر، وأوّل من يسلّم عليه، وأوّل من يأخذ بيده فيدخله الجنّة»(26).
قال السيوطي: «قال الحافظ عماد الدين ابن كثير في جامع المسانيد: هذا الحديث منكر جدّاً، وما أبعد أن يكون موضوعاً، والآفة فيه داود بن عطا».
وقال الذهبي بترجمة داود هذا: «داود بن عطا المدني، أبو سليمان، من موالي الزبير، ويقال فيه: داود بن أبي عطا، عن زيد بن أسلم وصالح بن كيسان، وعنه: الأوزاعي شيخه وإبراهيم بن المنذر وعبدالله بن محمّد الآذري. قال أحمد: ليس بشيء، قد رأيته. وقال البخاري: منكر الحديث.
قال ابن أبي عاصم في كتاب السنّة: ثنا إسماعيل بن محمّد بن إسماعيل ابن محمّد بن يحيى بن زكريّا بن طلحة بن عبيدالله، ثنا داود بن عطا عن صالح بن كيسان، عن ابن شهاب، عن سعيد بن المسيّب، عن اُبي بن كعب قال: قال رسول الله: أوّل من يصافحه الحقّ عمر وأوّل من يأخذه بيد فيدخله الجنّة. هذا منكر جدّاً»(27).
(ومنها): «حدّثنا يونس بن عبدالأعلى، ثنا محمّد بن إدريس الشافعي حدّثني محمّد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن، عن أنس ابن مالك قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لا يزداد الأمر إلاّ شدّة، ولا الدنيا إلاّ إدباراً، ولا الناس إلاّ شحّاً، ولا تقوم الساعة إلاّ على شرار الناس، ولا مهدي إلاّ عيسى بن مريم»(28).
قال السيوطي: «هذا الحديث أخرجه الحاكم في المستدرك وقال: إنّه يعدّ في أفراد الشافعي.
وقال الذهبي في الميزان: هذا خبر منكر تفرّد به يونس بن عبدالأعلى عن الشافعي.
ووقع في جزء من حديث يونس بن عبدالأعلى قال: حُدِّثت عن الشافعي، فهو على هذا منقطع، على أنّ جماعة رووه عن يونس قال: حدّثنا الشافعي، والصحيح أنّه لم يسمعه منه.
ومحمّد بن خالد، قال الأزدي: منكر الحديث. وقال الحاكم: مجهول، وكذا قال ابن الصلاح في أماليه، وقد وثّقه يحيى بن معين، وروى عنه ثلاثة رجال سوى الشافعي، وأبان بن صالح صدوق ما علمت به بأساً، لكن قيل إنّه لم يسمع من الحسن، ذكره ابن الصلاح.
وللحديث علّة اُخرى: قال البيهقي: أنا الحاكم، ثنا عبدالرحمن بن عبدالله بن يزداذ المذكور في كتابه، ثنا عبدالرحمن بن أحمد بن محمّد بن الحجّاج بن رشدين، حدّثنا المفضّل بن محمّد الجندي، ثنا صامت بن معاذ قال: عدلت إلى الجند، فدخلت على محدّث لهم، فوجدت عنده، عن محمّد ابن خالد الجندي، عن أبان بن أبي عيّاش، عن الحسن، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم. قال الذهبي: فانكشف ووهى.
وقال الحافظ جمال الدين المزي في التهذيب: قال أبوبكر ابن زياد: هذا حديث غريب. وقال أبوالحسن محمّد بن حسين الآبري الحافظ في مناقب الشافعي: قد تواترت الأخبار واستفاضت بكثرة رواتها عن المصطفى صلّى الله عليه وسلّم في المهدي، وأنّه من أهل البيت، وأنّه يملك سبع سنين، ويملأ الأرض عدلاً، وأنّه يخرج مع عيسى بن مريم فيساعده على قتل الدجّال بباب اللّد بأرض فلسطين، وأنّه يؤمّ هذه الاُمّة وعيسى عليه السلام يصلّي خلفه في طول قصّته وأمره.
ومحمّد بن خالد الجندي وإن كان يذكر عن يحيى بن معين أنّه وثّقه، فإنّه غير معروف عند أهل الصناعة من أهل العلم والنقل. وقال البيهقي: هذا حديث تفرّد به محمّد بن خالد الجندي، قال أبو عبدالله الحافظ: وهو رجل مجهول واختلفوا عليه في إسناده: فرواه صامت بن معاذ، ثنا يحيى ابن السكن، ثنا محمّد بن خالد الجندي، عن أبان بن صالح، عن الحسن عن النبي. قال صامت بن معاذ: عدلت إلى الجند، فدخلت على محدّث لهم، وطلبت هذا الحديث فوجدته عنده عن محمّد بن خالد الجندي، عن أبان بن أبي عيّاش، عن الحسن، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم.
قال البيهقي: فرجع الحديث إلى رواية محمّد بن خالد الجندي، وهو مجهول، عن أبان بن أبي عياش وهو متروك، عن الحسن، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم…»(29).
(ومنها): «حدّثنا الحسن بن علي الخلال، ثنا عون بن عمارة، ثنا عبدالله ابن المثنى بن ثمامة بن أنس بن مالك، عن أبيه، عن جدّه عن أنس بن مالك، عن أبي قتادة قال: قال رسول الله: الآيات بعد المائتين»(30).
وقد أورده ابن الجوزي في الموضوعات(31).
وقال القرطبي في (التذكرة في أحوال الموتى واُمور الآخرة): «وفي عموم إنذار النبي بفساد الزمان وتغيير الدين وذهاب الأمانة ما يغني عن ذكر التفاصيل الباطلة والأحاديث الكاذبة في أشراط الساعة، من ذلك: حديث رووه عن قتادة عن أنس بن مالك عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّ في سنة مائتين يكون كذا وكذا، وفي العشر والمائتين يكون كذا وكذا، وفي العشر والمائتين كذا، وفي العشرين كذا، وفي الثلاثين كذا، وفي الأربعين كذا، وفي الخمسين كذا، وفي الستين والمائتين تعتكف الشمس ساعة فيموت نصف الجنّ والإنس، فهل كان هكذا وقد مضت هذه المدّة، وهذا شيء يعمّ، وسائر الاُمور التي ذكرت قد تكون في بلدة وتخلو منه اُخرى، فهذا عكوف الشمس لا يخلو منه أحد في شرق ولا في غرب، فإن كان المائتان من الهجرة فقد مضت وإن كانت من موت النبيّ فقد مضت، وأيضاً دلالة اُخرى على أنّه مفتعل: أنّ التاريخ لم يكن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وإنّما وضعوه على عهد عمر، فكيف يجوز هذا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقال في سنة مائتين وفي سنة عشرين ومائتين ولم يكن وضع شيء من التاريخ»(32).
وقال الحكيم الترمذي في (نوادر الاصول): «ومن الحديث الذي تنكره القلوب: حديث رووه عن قتادة، عن أنس بن مالك، عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنّ في سنة مائتين يكون كذا وكذا، وفي العشر والمائتين كذا، وفي العشرين كذا، وفي الثلاثين كذا، وفي الخمسين كذا، وفي الستين والمائتين تعتكف الشمس ساعة فيموت نصف الجنّ والإنس، فهل كان كذا وكذا وقد مضت هذه المدّة وهذا شيء يعمّ، وسائر الاُمور التي ذكرت قد تكون في بلدة وتخلو منها اُخرى، فهذا عكوف الشمس لا يخلو منها أحد في شرق وغرب، فإن كان المائتان من الهجرة فقد مضت، وإن كانت من موت الرسول فقد مضت، وأيضاً دلالة اُخرى على أنّه مفتعل: أنّ التاريخ لم يكن على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وإنّما وضعوه على عهد عمر، فكيف يجوز هذا على عهد رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أن يقال في سنة مائتين وسنة عشر ومائتين، ولم يكن وضع شيء من التاريخ؟»(33).
هذا… ولا يخفى أنّ اعتمادنا هنا على أقوال ابن الجوزي إنّما هو بالنظر إلى استناد العلماء إلى أقواله وآرائه في الأحاديث والرجال، كاحتجاج الدهلوي في (التحفة) برأيه في ردّ حديث «أنا مدينة وعلي بابها» وغيره من مناقب الأئمّة الطاهرين من أهل بيت سيّد المرسلين، وكاحتجاج ابن روزبهان بكلماته في مواضع من ردّه على العلاّمة الحلّي، وكاحتجاج ابن تيميّة واستناده إلى ابن الجوزي في كتابه (منهاج السنّة) وهكذا…
فإنْ كان الإحتجاج بأقوال ابن الجوزي غير صحيح، فكلّ احتجاجات القوم بأقواله غير صحيحة… وهذا ما ينفعنا ولا يضرّنا ألبتّة…
أمّا نحن فغير ملزمين بأقواله وآرائه، لكونه غير معتمَد عندنا، وأقواله ليست بحجّة علينا، حتّى لو كان مقبولاً عندهم جميعاً، فكيف وقد تكلّم جماعة منهم على كتبه وآرائه في موارد كثيرة؟
(1) الوافي بالوفيات 5: 220.
(2) ميزان الاعتدال 3: 33 ـ 34/2649.
(3) سنن ابن ماجة 1: 116/184.
(4) اللآلي المصنوعة في الأحاديث الموضوعة 2: 460.
(5) تهذيب التهذيب 8: 254 ـ 255.
(6) ميزان الاعتدال 5: 431.
(7) الكاشف 2: 369/4525.
(8) ميزان الاعتدال 3: 312/3505.
(9) سنن ابن ماجة 2: 144/1333.
(10) سنن ابن ماجة 2: 284/1602.
(11) سنن ابن ماجة 2: 291/1615.
(12) اللآلي المصنوعة 2: 413.
(13) سنن ابن ماجة 3: 88/2289.
(14) اللآلي المصنوعة 2: 152.
(15) سنن ابن ماجة 3: 348/2768.
(16) سنن ابن ماجة 3: 354/2780.
(17) سنن ابن ماجة 3: 377/2827.
(18) ميزان الاعتدال 2: 337/2182.
(19) سنن ابن ماجة 1: 97/141.
(20) اللآلي المصنوعة 1: 430.
(21) تهذيب التهذيب 6: 393 ـ 394/829.
(22) ميزان الاعتدال 4: 433/5321.
(23) الكاشف 2: 213/3552.
(24) اللآلي المصنوعة 1: 43 ورواه عن الحاكم بالإسناد والمتن الحافظ أبو الخير أحمد بن إسماعيل الحاكمي الطالقاني القزويني، المتوفى سنة 590 في كتاب (الأربعين المنتقى من مناقب علي المرتضى) الباب 30، الحديث 37 .
(25) الرياض النضرة 3: 185.
(26) سنن ابن ماجة 1: 82/104.
(27) ميزان الاعتدال 3: 19/2634.
(28) سنن ابن ماجة 4: 420/4039.
(29) راجع: تهذيب الكمال 25: 147 ـ 150 .
(30) سنن ابن ماجة 4: 431/4057.
(31) كتاب الموضوعات 3: 198.
(32) التذكرة في اُمور الآخرة: 712.
(33) لم نجده في كتاب (نوادر الاصول) وكأنّه قد اسقط منه لكونه ممّا «تنكره القلوب» كما قال .