إنكار الإمام الصادق على أبي حنيفة برواية ابن شبرمة
وروى كمال الدين الدميري، إنكار الإمام أبي عبدالله الصادق عليه السلام على أبي حنيفة العمل بالقياس، قال:
«قال ابن شبرمة: دخلت أنا وأبو حنيفة على جعفر بن محمّد الصادق رضي الله عنه.
فقلت: هذا رجل فقيه من أهل العراق.
فقال: لعلّه الذي يقيس الدين برأيه، أهو نعمان بن ثابت، ولم أعرف اسمه إلاّ ذلك اليوم؟
فقال له أبو حنيفة: نعم أنا ذاك، أصلحك الله.
فقال له جعفر: إتّق الله ولا تقس الدين برأيك، فإنّ أوّل من قاس برأيه إبليس، إذ قال أنا خيرٌ منه خلقتني من نار وخلقته من طين، فأخطأ بقياسه وضلّ.
ثمّ قال له: أتحسن أن تقيس رأسك من جسدك؟
قال: لا.
قال جعفر رضي الله عنه: فأخبرني لما جعل الله الملوحة في العينين والمرارة في الاُذنين والماء في المنخرين والعذوبة في الشفتين؟ لأيّ شيء جعل الله ذلك؟
قال: لا أدري.
قال جعفر رضي الله عنه: إنّ الله خلق العينين فجعلهما شحمتين، وخلق الملوحة فيهما منّاً منه على ابن آدم، ولولا ذلك لذابتا فذهبتا، وجعل المرارة في الاُذنين منّاً منه عليه، ولولا ذلك لهجمت الدوابّ فأكلت دماغه، وجعل الماء في المنخرين ليصعد منه النفس وينزل ويجد منه الرائحة الطيّبة من الرائحة الرديّة، وجعل العذوبة في الشفتين ليجد ابن آدم لذّة المطعم والمشرب.
ثمّ قال لأبي حنيفة: أخبرني عن كلمة أوّلها شرك وآخرها إيمان ما هي؟
قال: لا أدري.
قال جعفر رضي الله عنه: كلمة لا إله إلاّ الله، فلو قال: لا إله ثمّ سكت كان شركاً.
ثمّ قال: ويحك! أيّما أعظم عندالله إثماً: قتل النفس التي حرّم الله عزّ وجلّ بغير حقّ أو الزنا؟
قال: بل قتل النفس.
فقال جعفر رضي الله عنه: إنّ الله تعالى قبل في قتل النفس شهادة شاهدين ولم يقبل في الزنا إلاّ أربعة، فأنّى يقوم لك القياس.
ثمّ قال: أيّما أعظم عند الله: الصوم أو الصلاة؟
قال: الصلاة.
قال: فما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟
إتّق الله يا عبدالله ولا تقس الدين برأيك، فإنّا نقف غداً ومن خالفنا بين يدي الله فنقول: قال الله تعالى وقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وتقول أنت وأصحابك: سمعنا ورأينا، فيفعل الله تعالى بنا وبكم ما شاء»(1).
(1) حياة الحيوان 2: 4.