أحمد بن حنبل
قال السبكي في وصف مسند أحمد بترجمته:
«وألّف مسنده، وهو أصل من اُصول هذه الاُمّة.
قال الإمام الحافظ أبو موسى محمّد بن أبي بكر المديني رضي الله عنه: هذا الكتاب ـ يعني مسند الإمام أبي عبدالله أحمد بن محمّد بن حنبل الشيباني قدّس الله روحه ـ أصل كبير ومرجع وثيق لأصحاب الحديث، انتقي من حديث كثير ومسموعات وافرة، فجعل إماماً ومعقداً وعند التنازع ملجأ مسنداً، على ما أخبرنا والدي وغيره: أنا المبارك بن عبدالجبار، أنا الحسين كتب إليهما من بغداد قال: أنا أبو إسحاق إبراهيم بن عمر بن أحمد البرمكي قراءة عليه، أنا أبو عبدالله ابن محمّد بن محمّد بن حمدان بن عمر ابن بطة قراءةً عليه، ثنا أبو حفص عمير بن محمّد محمد بن رجاء، ثنا موسى بن حمدون البزار قال: قال لنا حنبل بن إسحاق: جمعنا عمّي يعني الإمام أحمد لي ولصالح ولعبدالله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه ـ يعني تامّاً ـ غيرنا، وقال لنا:
إنّ هذا الكتاب قد جمعته وانتقيته من أكثر من سبعمائة وخمسين ألفاً، فما اختلف فيه المسلمون من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فارجعوا إليه، فإن كان فيه وإلاّ ليس بحجّة.
وقال عبدالله بن أحمد: كتب أبي عشرة ألف ألف حديث، لم يكتب سواداً في بياض إلاّ حفظه.
وقال عبدالله أيضاً: قلت لأبي: لم كرهت وضع الكتب وقد عملت المسند؟ فقال: عملت هذا الكتاب إماماً إذا اختلف الناس في سنّة عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يرجع إليه.
وقال أيضاً: خرّج أبي المسند من سبع مأة ألف حديث.
قال أبو موسى المديني: ولم يخرج إلاّ عمّن ثبت عنده صدقه وديانته، دون من طعن في أمانته، ثمّ ذكر بإسناده إلى عبدالله بن الإمام أحمد قال: سألت أبي عن عبدالعزيز بن أبان فقال: لم أخرج عنه في المسند شيئاً، لمّا حدّث بحديث المواقيت تركته»(1).
«قال أبو موسى: ومن الدليل على أنّ ما أودعه الإمام أحمد مسنده قد احتاط فيه إسناداً ومتناً، ولم يورد فيه إلاّ ما صحّ سنده: ما أخبرنا أبو علي الحدّاد قال: أنا أبو نعيم قال: أنا ابن الحسين وأنا ابن المذهب قالا: أنا القطيعي ثنا عبدالله قال: حدّثني أبي، ثنا محمّد بن جعفر، ثنا شعبة، عن أبي التيّاح قال: سمعت أبازرعة يحدّث عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلّم قال:
إنّه يهلك اُمّتي هذا الحيّ من قريش.
قالوا: فما تأمرنا يا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم؟
قال: لو أنّ الناس اعتزلوهم.
قال عبدالله: قال لي أبي ـ في مرضه الذي مات فيه ـ : إضرب على هذا الحديث، فإنّه خلاف الأحاديث عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، يعني قوله: إسمعوا وأطيعوا.
وهذا مع ثقة رجال إسناده حيث شذّ لفظه من الأحاديث المشاهير أمر بالضرب عليه، فكان دليلاً على ما قلناه»(2).
وفي كتاب (مناقب احمد) للنهرواني المدني: «قال ابن عساكر «أمّا بعد، فإنّ حديث المصطفى به يعرف سبل الإسلام والهدى، ويبنى عليه أكثر الأحكام، ويؤخذ منه معرفة الحلال والحرام، وقد دوّن جماعة من الأيمّة ما وقع إليهم من حديثه عليه السلام، فكان أكبر الكتب التي جمعت فيه هو المسند عظيم الشأن والقدر، مسند الإمام أحمد وهو كتاب نفيس يرغب في سماعه وتحصيله ويرحل إليه، إذ كان مصنّفه الإمام أحمد، المقدم في معرفة هذا الشأن، والكتاب كبير القدر والحجم مشهور عند أرباب العلم، يبلغ أحاديثه ثلاثين ألفاً سوى المعاد وسوى ما ألحق به ابنه عبدالله من أعالي الأسناد، وكان مقصود الإمام في جمعه أن يرجع إليه في الاعتبار من بلغه أو رواه.
وقال ابن الجوزي: صحّ عند الإمام أحمد من الأحاديث سبع مائة ألف وخمسين ألفاً ـ والمراد بهذه الأعداد الطرق، أخرج منها مسنده المشهور الذي تلقته الاُمّة بالقبول والتكريم وجعله حجّة يرجع إليه ويعوّل عند الإختلاف عليه.
قال حنبل بن إسحاق: جمعنا عمّي لي ولصالح ولعبدالله وقرأ علينا المسند وما سمعه منه تامّاً غيرنا ثمّ قال لنا:
هذا الكتاب قد جمعته وانتخبته من أكثر من سبع مائة ألف وخمسين ألفاً، فما اختلف المسلمون فيه من حديث رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فارجعوا إليه، فإن وجدتموه فيه فذاك وإلاّ فليس بحجّة.
وكان يكره وضع الكتب فقيل له في ذلك، فقال: قد عملت هذا المسند إماماً إذا اختلف الناس في سنّة من سنن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رجعوا إليه».
وعلى أساس هذه المدائح يتّضح صحّة احتجاج أهل الحق بالأحاديث المخرجة في (مسند أحمد بن حنبل) وإلزام القوم بها…
(1) طبقات الشافعية 2: 31.
(2) طبقات الشافعية 2: 32.