ومن مساوئه في كتب التاريخ والحديث
وقد ذكر القوم مساوىء اُخرى له، في كتبهم التاريخيّة والحديثيّة، نوردها باختصار:
قال ابن عبدالبرّ في (الإستيعاب):
«قال علي بن زيد الجدعاني: كان عبدالله بن الزبير كثير الصّلاة، كثير الصّيام، شديد البأس، كريم الجدّات والاُمّهات والخالات، إلاّ أنّه كانت فيه خلال لا تصلح معها الخلافة، لأنّه كان بخيلاً، ضيّق العطاء، سيّىء الخلق، حسوداً، كثير الخلاف، أخرج محمّد بن الحنفيّة، ونفى عبدالله بن عبّاس إلى الطائف»(1).
وقال ابن خلّكان في (وفيات الأعيان):
«ولمّا دعا ابن الزبير إلى نفسه وبايعه أهل الحجاز بالخلافة، دعا عبدالله ابن عبّاس ومحمّد بن الحنفيّة ـ رضي الله عنهما ـ إلى البيعة، فأبيا ذلك وقالا: لانبايعك حتّى تجتمع لك البلاد ويتّفق الناس، فأساء جوارهم وحصرهم وآذاهم وقال لهما: والله لئن لم تبايعا أحرقتكما بالنّار»(2).
وذكر التنوخي في كتاب (الفرج بعد الشدّة):
«كتب محمّد بن الحنفيّة إلى عبدالله بن عبّاس رضي الله عنه، حين سيّره عبدالله بن الزبير من مكّة إلى الطائف كتاباً نسخته:
أمّا بعد; فقد بلغني أنّ عبدالله بن الزبير سيّرك إلى الطائف، فأحدث الله لك بذلك أجراً وحطّ به عنك وزراً، يا ابن عم، إنّما يبتلى الصالحون، وتعدّ الكرامة للأخيار، ولو لم تؤجر إلاّ فيما تحبّ لقلّ الأجر، وقد قال الله تعالى: (وعسى أن تكرهوا شيئاً وهو خير لكم) الآية، عزم الله لنا ولك بالصبر على البلاء والشكر على النعماء، ولا أشمت بنا الأعداء، والسلام»(3).
وقال ابن حجر العسقلاني في كتاب التفسير من (فتح الباري في شرح صحيح البخاري):
«وكان محمّد بن علي بن أبي طالب المعروف بابن الحنفيّة وعبدالله بن عبّاس مقيمين بمكّة، مذ قتل الحسين، فدعاهما ابن الزبير إلى البيعة له فامتنعا وقالا: لا نبايع حتّى يجتمع الناس على خليفة، وتبعهما على ذلك جماعة، فشدّد عليهم ابن الزبير وحصرهم، فبلغ المختار، فجهّز إليهم جيشاً، فأخرجوهما واستأذنوهما في قتال ابن الزبير، فامتنعا وخرجا إلى الطائف فأقاما بها، حتّى مات ابن عبّاس سنة ثمان وستّين، ورحل ابن الحنفيّة بعده إلى جهة رضوى ـ جبل بينبع ـ فأقام هناك، ثمّ أراد دخول الشام فتوجّه إلى نحو أيلة، فمات في آخر سنة ثلاث أو أوّل سنة أربع وسبعين، وذلك عقب قتل ابن الزبير، على الصحيح، وقيل: عاش إلى سنة ثمانين أو بعد ذلك، وعند الواقدي أنّه مات بالمدينة سنة إحدى وثمانين، وزعمت الكيسانيّة أنّه حيٌّ لم يمت، وأنّه المهدي، وأنّه لا يموت حتّى يملك الأرض، في خرافات لهم كثيرة ليس هذا موضعها، وأنا لخّصت ما ذكرته من طبقات ابن سعد وتاريخ الطبري وغيرهما لبيان المراد.
وروى الفاكهي من طريق سعيد بن محمّد بن جبير بن مطعم عن أبيه قال: كان ابن عبّاس وابن الحنفيّة بالمدينة، ثمّ سكنا مكّة، فطلب منهما ابن الزبير البيعة فأبيا حتّى يجتمع النّاس على رجل، فضيّق عليهما، فبعثا رسولاً إلى العراق، فخرج إليهما جيش في أربعة آلاف، فوجدوهما محصورين وقد اُحضر الحطب فجعل على الباب يخوّفهما بذلك، فأخرجوهما إلى الطائف، وذكر ابن سعد أنّ هذه القصّة وقعت بين ابن الزبير وابن عبّاس في سنة ست وستّين»(4).
(1) الاستيعاب في معرفة الأصحاب 3: 906/1535.
(2) وفيات الأعيان 4: 172/559.
(3) الفرج بعد الشدّة: 42.
(4) فتح الباري في شرح البخاري 8: 262.