موقف الذهبي
والذهبي، وإنْ وثّق الإمام عليه السلام، لكنّه لم يرد على تعصّبات القطّان والبخاري ضد الإمام، بل بالعكس، فقد أورده في كتابه (الميزان) لتكلّمهما فيه، حيث قال:
«جعفر بن محمّد بن علي بن الحسين الهاشمي، أبو عبدالله، أحد الأئمّة الأعلام، برّ، صادق، كبير الشأن، لم يحتج به البخاري، قال يحيى بن سعيد: مجالد أحبّ إليّ منه، في نفسي منه شيء، وقال مصعب بن عبدالله عن الدراوردي قال: لم يرو مالك عن جعفر حتّى ظهر أمر بني العبّاس، قال مصعب بن عبدالله: كان مالك لا يروي عن جعفر حتّى يضمّه إلى أحد. وقال أحمد بن سعيد بن أبي مريم: سمعت يحيى يقول: كنت لا أسأل يحيى بن سعيد عن حديث جعفر بن محمّد، فقال لي: لم لاتسألني عن حديث جعفر؟ قلت: لا اُريده، فقال لي: إنْ كان يحفظ فحديث أبيه المسند»(1).
هذا، في الوقت الذي بنى في كتابه هذا على أنْ لا يذكر فيه من قدح فيه البخاري وابن عدي، من الصحابة والأئمّة في الفروع… كما صرّح بذلك في مقدّمة الكتاب حيث قال:
«أمّا بعد، هدانا الله وسدّدنا ووفّقنا لطاعته، فهذا كتاب جليل مبسوط، في إيضاح نقلة العلم النبوي وحملة الآثار، ألّفته بعد كتابي المنعوت بالمغني، وطوّلت فيه العبارة، وفيه أسماء عدّة من الرواة زائداً على من في المغني، زدت معظمهم من الكتاب الحافل المذيّل على الكامل لابن عدي.
وقد ألّف الحفّاظ مصنّفات جمّة في الجرح والتعديل مابين اختصار وتطويل، فأوّل من جمع كلامه في ذلك: الإمام الذي قال فيه أحمد بن حنبل: ما رأيت بعيني مثل يحيى بن سعيد القطّان، وتكلّم في ذلك بعده تلامذته: يحيى بن معين، وعلي بن المديني، وأحمد بن حنبل، وعمرو بن علي الفلاس، وأبو خيثمة، وتلامذتهم: كأبي زرعة، وأبي حاتم، والبخاري، ومسلم، وأبي إسحاق الجوزجاني السعدي، وخلق، ومن بعدهم مثل: النسائي، وابن خزيمة، والترمذي، والدولابي، والعقيلي، وله مصنّف مفيد في معرفة الضعفاء، ولأبي حاتم ابن حبّان كتاب كبير عندي في ذلك، ولأبي أحمد ابن عدي كتاب الكامل هو أكمل الكتب وأجلّها في ذلك، وكتاب أبي الفتح الأزدي، وكتاب أبي محمّد ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل والضعفاء، وللدارقطني في الضعفاء، وللحاكم وغير ذلك، وقد ذيّل ابن طاهر المقدسي على الكامل لابن عدي بكتاب لم أره، وصنّف أبوالفرج ابن الجوزي كتاباً كبيراً في ذلك، كنت اختصرته أوّلاً ثمّ ذيّلت عليه ذيلاً بعد ذيل.
والساعة، فقد استخرت الله عزّ وجلّ في عمل هذا المصنّف، ورتّبته على حروف المعجم حتّى في الآباء ليقرب تناوله، ورمزت على اسم الرجل من أخرج له في كتابه من الأئمّة الستّة: البخاري ومسلم وأبي داود والنسائي والترمذي وابن ماجة، برموزهم السائرة، فإن اجتمعوا على إخراج رجل فالرمز (ع)، وإن اتفق عليه أرباب السنن الأربعة فالرمز (غ).
وفيه من تُكُلّم فيه مع ثقته وجلالته بأدنى لين وبأقلّ تجريح، فلولا أنّ ابن عدي أو غيره من مؤلّفي كتب الجرح ذكروا ذلك الشخص لما ذكرته لثقته، ولم أر من الرأي أن أحذف اسم أحد ممّن له ذكر بتليين مّا في كتب الأئمّة المذكورين، خوفاً من أن يُتَعَقَّب عليّ، إلاّ أنّي ذكرته لضعف فيه عندي إلاّ ما كان في كتب البخاري وابن عدي وغيرهما من الصّحابة، فإنّي أسقطتهم لجلالة الصحابة رضي الله عنهم، ولا أذكرهم في هذا المصنّف، فإنّ الضعف إنّما جاء من جهة الرواة إليهم، وكذا لا أذكر في كتابي من الأئمّة المتبوعين في الفروع أحداً، لجلالتهم في الإسلام وعظمتهم في النفوس، فإن ذكرت أحداً منهم فأذكره على الإنصاف، وما يضرّه ذلك عند الله ولا عند الناس، إذ إنّما يضرّ بالإنسان الكذب والإصرار على كثرة الخطأ والتجرّي على تدليس الباطل فإنّه خيانة، والمرء المسلم يطبع على كلّ شيء إلاّ الخيانة والكذب»(2).
أفهل كان شأن الإمام عليه السلام أقلّ من شأن عمرو بن العاص وبسر ابن أرطاة وأمثالهما من فسقة الصحابة؟
أفهل كان شأن الشافعي وغيره أجلّ من شأن الإمام الصّادق؟
لكنّه التعصّب والنّصب… والعياذ بالله…
(1) ميزان الاعتدال 2: 143/1521.
(2) ميزان الاعتدال 1: 113.