من مشاهد انحراف أبي موسى عن علي
ومع ذلك نتعرّض لبعض الأخبار الشاهدة بانحراف الرجل عن أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام:
قال الحافظ ابن حجر في (فتح الباري):
«قوله: بعث عليّ عمّار بن ياسر وحسن بن علي فقدما علينا الكوفة، ذكر عمر بن شبة والطبري سبب ذلك بسندهما إلى ابن أبي ليلى قال: كان عليّ أقرّ أبا موسى على إمرة الكوفة، فلمّا خرج من المدينة أرسل هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إليه أن أنهض من قبلك من المسلمين، وكن من أعواني إلى الحق، فاستشار أبو موسى السائب بن مالك الأشعري فقال: اتّبع ما أمرك به. قال: إنّي لا أرى ذلك، وأخذ في تخذيل الناس عن النهوض، فكتب هاشم إلى علي بذلك وبعث بكتابه مع حجل بن خليفة الطائي، فبعث عليٌّ عمّار بن ياسر والحسن بن علي يستفزّان النّاس، وأمّر قرظة بن كعب على الكوفة»(1).
وقال ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة):
«وذكروا أنّ عليّاً لمّا نزل قريباً من الكوفة، بعث عمّار بن ياسر ومحمّد ابن أبي بكر إلى أبي موسى الأشعري، وكان أبو موسى عاملاً لعثمان على الكوفة، فبعثهما عليٌّ إليه وإلى أهل الكوفة يستفزّهم، فلمّا قدما عليه، قام عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر فدعوا النّاس إلى النصرة لعليّ، فلمّا أمسوا، دخل رجال من أهل الكوفة على أبي موسى فقالوا: ما ترى؟ أنخرج مع هذين الرجلين إلى صاحبهما أم لا؟ فقال أبو موسى: أمّا سبيل الآخرة ففي أن تلزموا بيوتكم، وأمّا سبيل الدّنيا وسبيل النار، فالخروج مع من أتاكم، فأطاعوه، فتبطأ النّاس على علي، وبلغ عمّاراً ومحمّداً ما أشار به أبو موسى على أولئك الرهط، فأتياه فأغلظا له في القول، فقال أبو موسى: والله إنّ بيعة عثمان في عنقي وعنق صاحبكما، ولئن أرادنا للقتال مالنا إلى قتال أحد من سبيل حتّى نفرغ من قتلة عثمان.
ثمّ خرج أبو موسى وصعد المنبر ثمّ قال: أيّها النّاس! إنّ أصحاب رسول الله الذين صحبوه في المواطن أعلم بالله وبرسوله ممّن لم يصحبه، وإنّ لكم حقّاً عَلَيّ اُؤدّيه إليكم، إنّ هذه الفتنة النائم فيها خير من اليقظان، والقاعد خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، والسّاعي خير من الراكب، فاغمدوا سيوفكم حتّى تنجلي هذه الفتنة»(2).
وأخرج البخاري:
«حدّثنا بدل الُمحبَّر قال حدّثنا شعبة قال: أخبرني عمرو قال: سمعت أبا وائل يقول: دخل أبو موسى وأبو مسعود على عمّار ـ حيث بعثه علي إلى أهل الكوفة يستنفرهم ـ فقالا: ما رأيناك أتيت أمراً أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر منذ أسلمت. فقال عمّار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر، وكساهما حلّة حلّة، ثمّ راحوا إلى المسجد.
حدّثنا عبدان، عن أبي حمزة، عن الأعمش، عن شقيق بن سلمة: كنت جالساً مع أبي مسعود وأبي موسى وعمّار، فقال أبو مسعود: ما من أصحابك أحدٌ إلاّ لو شئت لقلت فيه، غيرك، وما رأيت منك شيئاً منذ صَحِبْتَ النبي صلّى الله عليه وسلّم أعيب عندي من استسراعك في هذا الأمر. قال عمّار: يا أبامسعود! وما رأيت منك ولا من صاحبك هذا شيئاً، منذ صحبتما النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أعيب عندي من إبطائكما في هذا الأمر. فقال أبو مسعود ـ وكان موسراً ـ: يا غلام! هات حلّتين، فأعطى إحداهما أباموسى والاُخرى عمّاراً وقال: روحا فيه إلى الجمعة»(3).
وقال الحاكم:
«أخبرنا عبدالرحمن بن الحسن القاضي بهمدان، حدّثنا إبراهيم بن الحسين، حدّثنا آدم بن أبي أياس، حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، عن أبي وائل قال: دخل أبوموسى الأشعري وأبو مسعود البدري على عمّار وهو يستنفر النّاس، فقالا له: ما رأينا منك أمراً منذ أسلمت أكره عندنا من إسراعك في هذا الأمر. فقال عمّار: ما رأيت منكما منذ أسلمتما أمراً أكره عندي من إبطائكما عن هذا الأمر»(4).
وأخرج أيضاً:
«عن الشعبي قال: لمّا قتل عثمان وبويع لعلي رضي الله عنهما، خطب أبو موسى وهو على الكوفة، فنهى النّاس عن القتال والدخول في الفتنة، فعزله عليٌّ عن الكوفة من ذي قار، وبعث إليه عمّار بن ياسر والحسن بن علي فعزلاه»(5).
وفيما فعل أبو موسى من الوقاحة والتجاسر والإفتراء والكذب، ما لا يخفى، ولا بأس لتوضيح شناعة موقفه بأنْ نقول:
أوّلاً: ذكر المسعودي ـ وعنه سبط ابن الجوزي ـ أنّه لمّا خذّل أبو موسى الناس، كتب الإمام عليه السلام إليه:
«إنعزل عن هذا الأمر مذموماً مدحوراً، فإنْ لم تفعل، فقد أمرت من يقطّعك إرباً إرباً، يا ابن الحائك، ما هذا أوّل هناتك، وإنّ لك لهنات وهنات.
ثمّ بعث عليٌّ الحسن وعمّاراً إلى الكوفة، فالتقاهما أبو موسى، فقال له الحسن: لم ثبّطت القوم عنّا؟ فوالله ما أردنا إلاّ الإصلاح. فقال: صدقت، ولكنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: ستكون فتنة، يكون القاعد فيها خيراً من القائم، والماشي خيراً من الراكب. فغضب عمّار وسبّه»(6).
فلقد وصفه الإمام عليه السلام بوصف أهل النّار، قال تعالى: (من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء لمن نريد ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها مذموماً مدحوراً)(7) وقال: (لا تجعل مع الله إلهاً آخر فتقعد مذموماً مخذولاً)(8) وقال: (ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنّم ملوماً مدحوراً)(9).
قال في (تفسير الجلالين): «ج مذموماًج ملوماً جمدحوراًج مطروداً عن الرحمة»(10).
وفي كتاب (النهاية في غريب الحديث): «في حديث عرفة: ما من يوم إبليس فيه أدحر ولا أدحق منه في يوم عرفة، الدحر: الدفع بعنف على سبيل الإهانة والإذلال، والدحق: الطّرد والإبعاد»(11).
وفيه:
«وأصل اللّعن: الطرد والإبعاد من الله»(12).
وقال الفخر الرازي بتفسير الآية: (من كان يريد العاجلة):
«قال القفّال رحمه الله: هذه الآية داخلة في معنى قوله (وكلّ إنسان ألزمناه طائره في عنقه) ومعناه، أنّ الكمال في الدّنيا قسمان، فمنهم من يريد بالذي يعمله الدنيا ومنافعها والرياسة فيها، فهذا يأنف من الإنقياد للأنبياء عليهم الصلاة والسلام، والدخول في طاعتهم والإجابة لدعوتهم، إشفاقاً من زوال الرياسة عنه، فهذا قد جعل طائر نفسه شؤماً، لأنّه في قبضة الله تعالى، فيؤتيه الله في الدنيا منها قدراً لا كما يشاء ذلك الإنسان، بل كما يشاء الله، إلاّ أنّ عاقبته جهنّم يدخله فيها فيصلاها مذموماً ملوماً مدحوراً منفيّاً مطروداً من رحمة الله تعالى.
وفي لفظ هذه الآية فوائد:
الفائدة الاُولى: إنّ العقاب عبارة عن مضرّة مقرونة بالإهانة والذمّ، بشرط أن تكون دائمة وخالية عن شوب المنفعة. فقوله: (ثمّ جعلنا له جهنّم يصلاها)إشارة إلى المضرّة العظيمة، وقوله: (مذموماً) إشارة إلى الإهانة والذم، وقوله: (مدحوراً) إشارة إلى البعد والطرد عن رحمة الله، وهي تفيد كون تلك المضرّة خالية عن شوب النفع والرحمة، وتفيد كونها دائمة وخالية عن التبدّل بالراحة والخلاص»(13).
وقال أبو البركات النسفي بتفسيرها:
«(من كان يريد العاجلة عجّلنا له فيها ما نشاء) لا ما يشاء (لمن نريد)بدل من له بإعادة الجار، وهو بدل البعض من الكلّ، إذ الضمير يرجع إلى من، أي من كانت العاجلة همّه ولم يرد غيرها كالكفرة، تفضّلنا عليه من منافعها بما نشاء لمن نريد، فقيّد المعجّل بمشيّته والمعجّل له بإرادته، وهكذا الحال، ترى كثيراً من هؤلاء يتمنّون ما يتمنّون ولا يعطون إلاّ بعضاً منه، وكثيراً منهم يتمنّون ذلك البعض وقد حرموه، فاجتمع عليهم فقر الدّنيا وفقر الآخرة، وأمّا المؤمن التقي، فقد اختار غنى الآخرة، فإنّ أوتي حظّاً من الدنيا فبها، وإلاّ فربّما كان الفقر خيراً له (ثمّ جعلنا له جهنّم) في الآخرة (يصلاها) يدخلها (مذموماً)ممقوتاً (مدحورا)»(14).
وقال البغوي:
«(ولا تجعل مع الله إلهاً آخر) خاطب النبي صلّى الله عليه وسلّم في هذه الآيات، والمراد منه الاُمّة (فتلقى في جهنّم ملوماً مدحوراً) مطروداً مبعداً من كلّ خير»(15).
وقال الرازي بتفسير الآية: (ولا تجعل مع الله إلهاً آخر فتلقى في جهنّم ملوماً مدحوراً):
«ثمّ إنّه تعالى ذكر في الآية الاُولى: أنّ الشرك يوجب أن يكون صاحبه مذموماً مخذولاً، وذكر في الآية الأخيرة: أنّ الشرك يوجب أن يلقى صاحبه في جهنّم ملوماً مدحوراً، فاللّوم والخذلان يحصل في الدنيا، وإلقاؤه في جهنّم يحصل يوم القيامة.
ويجب علينا أن نذكر الفرق بين المذموم المخذول، وبين الملوم المدحور فنقول: أمّا الفرق بين المذموم وبين الملوم، فهو أن كونه مذموماً معناه أن يذكر له أن الفعل الذي أقدم عليه قبيح ومنكر، فهذا معنى كونه مذموماً، وإذا ذكر له ذلك فبعد ذلك يقال له: لم فعلت مثل هذا الفعل؟ وما الذي حملك عليه؟ وما استفدت من هذا العمل إلاّ إلحاق الضرر بنفسك، وهذا هو اللّوم، فثبت أنّ أوّل الأمر هو أن يصير مذموماً، وآخره أن يصير ملوماً، وأمّا الفرق بين المخذول وبين المدحور، فهو أنّ المخذول عبارة عن الضعيف، يقال: تخاذلت أعضاؤه أي ضعفت، وأمّا المدحور فهو المطرود، والطرد عبارة عن الإستخفاف والإهانة، قال تعالى: (ويخلد فيه مهاناً) فكونه مخذولاً عبارة عن ترك إعانته وتفويضه إلى نفسه، وكونه مدحوراً عبارة عن إهانته والإستخفاف به»(16).
وأيضاً: فقد ورد أنّ الإمام عليه السلام قال عن أبي موسى: «هو عندي غير مأمون، وقد هرب منّي» قال سبط ابن الجوزي في خبر قضيّة التحكيم:
«ولمّا فعل معاوية ما فعل قال: نبعث حكماً نرتضي به، وابعثوا أنتم حكماً ترضون به، فاختار أهل الشام عمرو بن العاص، واختار أهل العراق أباموسى الأشعري، فقال علي عليه السلام: لا أرضى به، وهو عندي غير مأمون، وقد هرب منّي، وخذّل النّاس عنّي، ولكنْ هذا ابن عبّاس»(17).
وكما تكلّم الإمام عليه السلام في أبي موسى بما تقدّم ونحوه، كذلك تكلّم في سعد بن أبي وقّاص، لتخلّفه عنه وتركه نصرته، قال الحاكم:
«وأمّا ما ذكر من اعتزال سعد بن أبي وقّاص عن القتال، فحدّثناه أبو زكريّا يحيى بن محمّد العنبري، ثنا إبراهيم بن أبي طالب، ثنا علي بن المنذر، ثنا ابن فضيل، ثنا مسلم الملائي، عن خيثمة بن عبدالرحمن قال: سمعت سعد بن مالك، وقال له رجل: إنّ عليّاً يقع فيك أنّك تخلَّفت عنه، فقال سعد: والله إنّه لرأي رأيته وأخطأ رأيي، إنّ علي بن أبي طالب اُعطي ثلاثاً، لأنْ أكون اُعطيت إحداهنّ أحبّ إليّ من الدنيا وما فيها:
لقد قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يوم غدير خم بعد حمد الله والثناء عليه: هل تعلمون أنّي أولى بالمؤمنين؟ قلنا: نعم. قال: اللّهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه، وال من والاه وعاد من عاداه.
وجيء به يوم خيبر وهو أرمد ما يبصر، فقال: يا رسول الله، إنّي أرمد، فتفل في عينيه ودعا له، فلم يرمد حتّى قتل، وفتح عليه خيبر.
وأخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عمّه العبّاس وغيره من المسجد، فقال له العبّاس: تخرجنا ونحن عصبتك وعمومتك وتسكن عليّاً؟! فقال: ما أنا أخرجتكم وأسكنته، ولكنّ الله أخرجكم وأسكنه»(18).
ثانياً: إنّ سبّ عمّار بن ياسر أبا موسى الأشعري دليل آخر على كفر أبي موسى، لأنّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم قال ـ كما في البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجة ـ «سباب المسلم فسوق»(19)، فلا يجوز سبّ المسلم على الإطلاق، فكيف بالصّحابي، فلو كان لأبي موسى حظّ من الإسلام لَما جاز سبّه أصلاً.
ثالثاً: إنّ ترك أبي موسى نصرة الإمام عليه السلام وتخذيله الناس عن القتال معه ونصرته، يُشمله قول النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي: «اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره واخذل من خذله»، أخرجه الطبراني عن عمرو بن مرّة وزيد بن أرقم وحبشي بن جنادة مرفوعاً بلفظ: «اللهمّ من كنت مولاه فعليّ مولاه، اللّهمّ وال من والاه وعاد من عاداه، وانصر من نصره، وأعن من أعانه»(20).
وأخرجه الحاكم بإسناده عن جابر بن عبدالله يقول: «سمعت رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم جيقول يوم الحديبيّةج ـ وهو آخذ بضبع علي بن أبي طالب رضي الله عنه ـ وهو يقول: هذا أمير البررة جوج قاتل الفجرة، منصور من نصره جوج مخذول من خذله. ثمّ مدّ بها صوته. هذا حديث صحيح الإسناد، ولم يخرجاه»(21).
رابعاً: لقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «إنّي تارك فيكم الثقلين ما إن تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي» وهو حديث صادر عنه قطعاً… وقد اعترف بذلك كبار أهل السنّة من القدماء والمتأخّرين، وحتى الدهلوي صاحب (التحفة الإثنى عشريّة)، وأضاف أنّ كلّ عقيدة أو عمل مخالف للثقلين فهو باطل، ومن أنكرهما فهو ضالٌّ خارج من الدين، وهذه ترجمة كلامه في الباب الرابع من كتابه:
«واعلم أنّه قد ثبت باتّفاق الفريقين أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّي تارك فيكم الثقلين ما إنْ تمسّكتم بهما لن تضلّوا بعدي، أحدهما أعظم من الآخر، كتاب الله وعترتي أهل بيتي. وقد أفاد أنّ النبي قد دلّنا في معالم الدين وأحكام الشرع على هذين الأمرين العظيمين، فكلّ مذهب خالفهما في الاُمور الشرعيّة سواء في العقيدة أو العمل فهو باطل ولا اعتبار به، وكلّ من أنكرهما فهو ضالّ وخارج من الدّين»(22).
ولا شكّ أنّ أباموسى الأشعري قد خالف الثقلين، فكان من الخارجين عن الدين والداخلين في زمرة الضالّين الهالكين.
خامساً: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «مثل أهل بيتي فيكم مثل سفينة نوح، من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرق» وهو كذلك من الأحاديث الثابتة الصدور عنه عند الفريقين، وقد قال الدهلوي في (التحفة) في مقام الردّ على استدلال أصحابنا بهذاالحديث على الإمامة العامّة والولاية المطلقة ـ لأميرالمؤمنين عليه السلام ـ ما تعريبه:
«إنّ هذا الحديث لا يدلّ إلاّ على إناطة الفلاح والهداية بحبّهم واتّباعهم، وأنّ التخلّف عن ذلك موجب للهلاك»(23).
ومن الواضح: أنّ حال أبي موسى الأشعري ليس إلاّ التخلّف عن أهل البيت والمخالفة لهم، فيكون من الضالّين الهالكين.
سادساً: إنّه لم يكن تخلّف أبي موسى عن أهل البيت عليهم السلام ومخالفته لهم في ترك النصرة وتخذيل النّاس فقط، بل تكلّم بكلمات كشف فيها عن نصبه وعناده لأهل البيت، بما لا يقبل الحمل والتأويل، فكان من الهالكين والخاسرين، وقد اعترف بذلك سائر العلماء من أهل السنّة حتّى المتعصّبون منهم…
سابعاً: لقد عصى أبو موسى أميرالمؤمنين عليه السلام، ومن عصاه فقد عصى رسول الله، ومن عصى رسول الله فقد عصى الله تعالى… وفي ذلك أحاديث صحيحة عنه صلّى الله عليه وآله وسلّم، وقد أخرج الحاكم بإسناده عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني» قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(24).
ثامناً: إنّه قد فارق أبو موسى أميرالمؤمنين عليه السلام بتركه نصرته والتخلّف عنه، وقد نصّ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم على أنّ من فارق عليّاً فقد فارق الله ورسوله:
أخرج الحاكم بإسناده عن أبي ذر رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم لعلي: من فارقني فقد فارق الله ومن فارقك فقد فارقني»(25).
تاسعاً: إنّ من الواضح أنّ أبا موسى قد آذى بأفعاله وأقواله عليّاً أميرالمؤمنين، وهذا ممّا لا يرتاب فيه مرتاب ولا يشكّ فيه أحد من اُولي الألباب، وإيذاء علي إيذاء رسول الله، وإيذاؤه يوجب الدخول في النّار.
أخرج الحاكم بإسناده عن عمرو بن شاس الأسلمي، قال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ في حديث ـ: «يا عمرو، أما والله لقد آذيتني. فقلت: أعوذ بالله أن اُوذيك يا رسول الله! قال: بلى، من آذى عليّاً فقد آذاني» قال الحاكم: «هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(26).
العاشر: لقد خالف أبو موسى رسول الله، وعصى أوامره صلّى الله عليه وآله وسلّم بالقتال مع أميرالمؤمنين، في حروبه مع الناكثين والقاسطين والمارقين:
أخرج الحاكم بإسناده أنّ أباأيّوب الأنصاري قال في زمان عمر بن الخطّاب: «أمر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علي بن أبي طالب بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين»(27).
وأخرج عنه أنّه قال: «سمعت النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول لعلي بن أبي طالب: تقاتل الناكثين والقاسطين والمارقين، بالطرقات والنهروانات وبالسعفات، قال أبو أيّوب: قلت: يا رسول الله، مع من نقاتل هؤلاء الأقوام؟ قال: مع علي بن أبي طالب»(28).
وأخرج البغوي عن ابن مسعود قال: «خرج رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فأتى منزل اُمّ سلمة، فجاء علي، فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا اُم سلمة، هذا ـ والله ـ قاتل القاسطين والناكثين والمارقين من بعدي»(29).
وروى المتقي حديث ابن مسعود المذكور عن الحاكم في الأربعين وابن عساكر(30).
وروى عن ابن عساكر عن زيد بن علي بن الحسين بن علي، عن أبيه، عن جدّه عن علي قال: «أمرني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقتال الناكثين والمارقين والقاسطين»(31).
وأوضح ابن طلحة الشافعي معنى الحديث ـ بعد أن رواه عن البغوي عن ابن مسعود ـ بقوله:
«ذكر في هذا الحديث فرقاً ثلاثةً، صرّح بأنّ عليّاً عليه السلام يقاتلهم من بعده، وهم الناكثون والقاسطون والمارقون، وهذه الصفات التي ذكرها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قد سمّاهم بها، مشيراً إلى أن وجود كلّ صفة منها في الفرقة المختصّة بها علّة لقتالهم مسلّطة عليه، وهؤلاء الناكثون هم الناقضون عقد بيعتهم الموجبة عليهم الطاعة والمتابعة لإمامهم الذي بايعوه حقّاً، فإذا نقضوا ذلك وصدفوا عن طاعة إمامهم، وخرجوا عن حكمه، وأخذوا في قتاله بغياً وعناداً، كانوا ناكثين باغين، فتعيَّن قتالهم، كما اعتمده طائفة. فمن تابع عليّاً عليه السلام وبايعه ثمّ نقض عهده وخرج عليه ـ وهم أصحاب واقعة الجمل ـ فقاتلهم علي عليه السلام، فهم الناكثون…»(32).
حديث خاصف النعل
هذا، وقد وردت عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم أحاديث كثيرة ـ غير ما ذكر ـ في كون علي عليه السلام مأموراً بالقتال مع هؤلاء ومصيباً في حروبه…
منها: حديث خاصف النعل… وقد أخرجه من كبار الأئمّة والحفّاظ:
الحاكم في (المستدرك).
والنسائي في (الخصائص).
وابن أبي شيبة في (المصنّف).
وأحمد بن حنبل في (المسند).
وأبو يعلى في (المسند).
وابن حبّان في (الصحيح).
وأبو نعيم في (حلية الأولياء).
والضياء المقدسي في (المختارة).
والذهبي في (المعجم المختص).
والمحب الطبري في (الرياض النضرة) و(ذخائر العقبى).
وابن مندة في (كتاب الصحابة).
وابن الأثير في (اُسد الغابة).
والزرندي في (نظم درر السمطين).
والبغوي في (شرح السنّة).
والسيوطي في (جمع الجوامع).
والمتقي في (كنز العمّال).
ومحمّد بن معتمدخان البدخشاني في (مفتاح النجا).
وابن طلحة الشافعي في (مطالب السئول).
ولنذكر نصوص رواياتهم مع الإختصار:
أخرج الحاكم: «عن أبي سعيد الخدري قال: كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، فانقطعت نعله، فتخلّف عليّ يصلحها، فمشى قليلاً ثمّ قال: إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فاستشرف لها القوم ـ وفيهم أبوبكر وعمر ـ قال أبوبكر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل ـ يعني عليّاً ـ فأتيناه فبشّرناه، فلم يرفع به رأسه، كأنّه قد كان سمعه من رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم.
هذا حديث صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه»(33).
وترجم ابن الأثير «عبدالرحمن بن بشير» فأسند عنه قال: «كنّا جلوساً عند النبي صلّى الله عليه وسلّم إذ قال: ليضربنّكم رجل على تأويل القرآن كما ضربتكم على تنزيله، فقال أبوبكر: أنا هو؟ قال: لا، قال عمر: أنا هو؟ قال: لا، ولكن خاصف النعل، وكان علي يخصف نعل النبي صلّى الله عليه وسلّم. أخرجه الثلاثة»(34).
وأخرج النسائي بإسناده عن أبي سعيد الخدري قال: «كنّا جلوساً ننتظر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فخرج إلينا وقد انقطع شسع نعله، فرمى بها إلى علي فقال: إنّ منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله، فقال أبوبكر: أنا؟ فقال: لا، فقال عمر: أنا؟ فقال: لا. ولكن خاصف النعل»(35).
وفي (المسند): «عن أبي سعيد الخدري: كنّا جلوساً في المسجد، فخرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وعلي في بيت فاطمة، فانقطع شسع نعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فأعطاه عليّاً يصلحها، ثمّ جاء فقام علينا فقال…»(36).
وأورد العلاّمة الحلّي هذا الحديث في (نهج الحق) محتجّاً به، فقال ابن روزبهان عند الجواب: «قد صحّ هذا الحديث»(37).
ورواه الذهبي في (المعجم المختص) بترجمة «عبدالله بن محمّد بن أحمد ابن المطري» بإسناد فيه جماعة من الأعلام الحفّاظ… «عن أبي سعيد الخدري قال: خرج علينا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، ونحن في المسجد في نحو سبعين من أصحابه كأنّ على رؤوسنا الطير فقال: إنّ رجلاً منكم يقاتل الناس على تأويل القرآن كما قاتلتهم على تنزيله، فقال أبوبكر: أنا؟ فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: هو خاصف النعل بالحجرة. فخرج علينا علي من الحجرة وفي يده نعل رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يصلحها أو يخصفها»(38).
وهو في (كنز العمّال) عن أبي سعيد باللّفظ المذكور عن: ابن أبي شيبة في المصنّف، وأحمد في المسند، وأبي يعلى في المسند، وابن حبّان في الصحيح، والحاكم في المستدرك، وأبي نعيم في الحلية، والضياء في المختارة(39).
وكذلك البدخشي، رواه عن الجماعة والبغوي في شرح السنّة، عن أبي سعيد الخدري، وأضاف: «وأخرج الحافظ أبو علي سعيد بن عثمان ابن السكن البغدادي في صحاحه، عن الأخضر الأنصاري رضي الله عنه، عن النبي صلّى الله عليه سلّم: أنا اُقاتل على تنزيل القرآن وعلي يقاتل على تأويله»(40).
دلّ هذا الحديث على أنّ قتال أميرالمؤمنين عليه السلام على تأويل القرآن بعد حياة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم، إنّما يعدّ من المناقب المختصّة به، ومن خصائصه الجليلة التي قد تمنّاها أبوبكر وعمر وغيرهما من الصحابة… فكيف يجوز لأبي موسى الأشعري أو غيره أن يطعن في قتاله عليه السلام، وحروبه التي خاضها ضدّ الناكثين والقاسطين والمارقين؟ وكيف يجوز لأحد أن يسعى في حطّ مرتبة هذه الفضيلة والشرف العظيم الذي بشّر به رسول الله؟ وكيف يجوز التعبير عن هذا القتال بأنّه كان للدنيا؟
هذا، ولا يخفى أنّ صاحب (التحفة) قد روى هذا الحديث، وأورده في باب الإمامة، مع إسقاط تمنّي أبي بكر وعمر، وقوله صلّى الله عليه وآله وسلّم لهما: لا(41)!
الحادي عشر: لقد خالف أبو موسى الأشعري النصوص الصريحة الواردة عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم في أنّ الحقّ مع علي وأنّه لا يفارقه أبداً.
وقد أخرج هذه الأحاديث كبار الأئمّة الحفّاظ بأسانيدهم، وقد ذكر البدخشي طرفاً منها في كتابه (مفتاح النجا في مناقب آل العباء) حيث قال:
«الفصل الثامن عشر ـ في قول النبي صلّى الله عليه وسلّم: الحق معه.
أخرج الترمذي عن علي كرّم الله وجهه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رحم الله عليّاً، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار.
وأخرج أبو يعلى والضياء عن أبي سعيد رضي الله عنه: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: الحقّ مع ذا، الحقّ مع ذا; يعني عليّاً.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: الحق مع علي، يزول معه حيث ما زال.
وفي رواية اُخرى عنها: عليّ مع الحقّ والحقّ معه.
وأخرج الطبراني في الكبير، عن كعب بن عجرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يكون بين الناس فرقة واختلاف، فيكون هذا وأصحابه على الحق; يعني عليّاً.
وأخرج أبو نعيم، عن أبي ليلى الغفاري رضي الله عنه، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: سيكون من بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه الفاروق بين الحقّ والباطل.
وأخرج ابن مردويه، عن عائشة رضي الله عنها: أنّها لمّا عقر جملها ودخلت داراً بالبصرة، فقال لها أخوها محمّد: اُنشدك الله أتذكرين يوم حدّثتني عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: الحقّ لن يزال مع علي وعليّ مع الحق لن يختلفا ولن يتفرقا؟ قالت: نعم.
وأخرج عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: أشهد أنّ الحقّ مع عليّ ولكن مالت الدنيا بأهلها، ولقد سمعت النبي صلّى الله عليه وسلّم يقول له: يا علي أنت مع الحق والحق بعدي معك.
وأخرج عن اُم سلمة رضي الله عنها قالت: كان عليّ على الحق، من اتّبعه اتّبع الحق ومن تركه ترك الحق، عهداً معهوداً قبل يومه هذا.
وأخرج عن شهر بن حوشب قال: كنت عند اُم سلمة رضي الله عنها فسلّم رجل، فقيل: من أنت؟ قال: أنا أبو ثابت مولى أبي ذر. قالت: مرحباً بأبي ثابت اُدخل، فدخل، فرحّبت به وقالت: أين طار قلبك حين طارت القلوب مطائرها؟ قال: مع علي بن أبي طالب. قالت: وفّقت، والذي نفس اُم سلمة بيده لسمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: علي مع القرآن والقرآن مع علي، لن يفترقا حتّى يردا على الحوض، ولقد بعثت ابني عمر وابن أخي عبدالله بن أبي اُميّة، وأمرتهما أن يقاتلا مع عليّ من قاتله، ولولا أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أمرنا أن نقرّ في حجالنا وفي بيوتنا، لخرجت حتّى أقف في صفّ عليّ.
وأخرج عن عليّ كرّم الله وجهه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا علي! إنّ الحقّ معك والحقّ على لسانك وفي قلبك وبين عينيك.
وأخرج عن عبيدالله بن عبدالله الكندي قال: حجّ معاوية، فأتى المدينة وأصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلّم متوافرون، فجلس في حلقة بين عبدالله ابن عبّاس وعبدالله بن عمر، فضرب بيده على فخذ ابن عبّاس ثمّ قال:
أما كنت أحقّ وأولى بالأمر من ابن عمّك؟
قال ابن عبّاس: وبم؟
قال: لأنّي ابن عمّ الخليفة المقتول ظلماً.
قال: هذا ـ يعني ابن عمر ـ أولى بالأمر منك، لأنّ أبا هذا قتل قبل ابن عمّك.
قال: فانصاع عن ابن عبّاس وأقبل على سعد، قال:
وأنت يا سعد الذي لم تعرف حقّنا من باطل غيرنا فتكون معنا أو علينا؟
قال سعد: إنّي لمّا رأيت الظلمة قد غشيت الأرض، قلت لبعيري هخ، فأنخته حتّى إذا أسفرت مضيت.
قال: والله لقد قرأت المصحف يوماً بين الدفّتين ما وجدت فيه هخ.
فقال: أمّا إذا أبيت، فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول لعلي: أنت مع الحق والحق معك.
قال: لتجيئنّي بمن معك أو لأفعلنّ؟
قال: اُم سلمة.
قال: فقام وقاموا معه حتّى دخل على اُم سلمة.
قال: فبدأ معاوية فتكلّم فقال: يا اُم المؤمنين، إنّ الكذّابة قد كثرت على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بعده، فلا يزال قائل قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما لم يقل، وإنّ سعداً روى حديثاً زعم أنّك سمعته معه.
قالت: ما هو؟
قال: زعم أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعلي: أنت مع الحق والحق معك.
قالت: صدق، في بيتي قاله.
فأقبل على سعد وقال: الآن ما ألوم ما كنت عندي، والله لو سمعت هذا من رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ما زلت خادماً لعلي حتّى أموت.
وأخرج الطبراني ـ في الأوسط والصغير ـ عن اُم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: علي مع القرآن والقرآن مع عليّ، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض.
وأخرج ابن مردويه عن عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: الحق مع عليّ وعليٌّ مع الحق، لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض.
وأخرج الديلمي عن عمّار بن ياسر وأبي أيّوب رضي الله عنهما، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال لعمّار: يا عمّار! إن رأيت عليّاً قد سلك وادياً وسلك النّاس وادياً غيره، فاسلك مع علي ودع النّاس، إنّه لن يدلّك على الردى ولن يخرجك من الهدى.
وأخرج الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من أطاعني فقد أطاع الله عزّ وجلّ، ومن عصاني فقد عصى الله، ومن أطاع عليّاً فقد أطاعني، ومن عصى عليّاً فقد عصاني.
وأخرج الطبراني في الكبير عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: من فارق عليّاً فارقني، ومن فارقني فارق الله.
وفي رواية الحاكم عن أبي ذر رضي الله عنه مرفوعاً بلفظ: من فارقك يا علي فقد فارقني، ومن فارقني فقد فارق الله»(42).
وقال الشيخ عبدالحق الدهلوي في (رجال المشكاة):
«وورد أحاديث كثيرة في حقّانيّته وعدم مفارقته للحق قطعاً.
أخرج الحاكم ـ وصحّحه ـ عن عليّ رضي الله عنه قال: بعثني رسول الله صلّى الله عليه وسلّم إلى اليمن، فقلت: يا رسول الله بعثتني رسولاً وأنا شابٌّ أقضي بينهم ولا أدري ما القضاء؟ فضرب في صدري ثمّ قال: اللّهمّ اهد قلبه وثبّت لسانه. فوالذي فلق الحبّة ما شككت في قضاء بين اثنين.
وأخرج الحاكم ـ بسند صحيح ـ عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال لعليّ: إنّك تقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله.
وأخرج الطبراني ـ في الأوسط والصغير ـ عن اُم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: عليّ مع القرآن والقرآن مع علي، لايفترقان حتّى يردا علَيّ الحوض.
وأورد السيوطي في جمع الجوامع من رواية الحديث عن أنس قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: أنا وهذا حجّة يوم القيامة. يعني عليّاً.
وأورد الطبراني عن سلمان وأبي ذر معاً والعقيلي في الضعفاء وابن عدي في الكامل عن حذيفة أنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: إنّ هذا أوّل من آمن بي، وهو أوّل من يصافحني يوم القيامة، وهذا الصدّيق الأكبر، وهذا فاروق هذه الاُمّة يفرق بين الحقّ والباطل، وهذا يعسوب المسلمين والمال يعسوب الظالمين; قاله لعلي.
إلى غير ذلك من الأحاديث».
وقال الدهلوي في (إزالة الخفاء):
«أخرج الحاكم عن أبي ذر قال: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: يا علي من فارقني فقد فارق الله، ومن فارقك يا علي فقد فارقني.
وأخرج الحاكم عن اُم سلمة رضي الله عنها: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لن يفترقا حتّى يردا علَيّ الحوض.
وأخرج الحاكم عن عليّ قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: رحم الله عليّاً، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار»(43).
وفي (كنز العمّال):
«تكون بين النّاس فرقة واختلاف، فيكون هذا وأصحابه على الحقّ. يعني عليّاً. طب. عن كعب بن عجرة»(44).
وفي (مودّة القربى):
«عن النبي: أوّل ثلمة في الإسلام مخالفة عليّ»(45).
وفي (الإكتفاء) لليمني الوصابي الشافعي:
«فصل فيما جاء من الأخبار أنّ عليّ بن أبي طالب على الحق:
عن اُم المؤمنين اُم سلمة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: عليّ مع القرآن والقرآن مع علي. أخرجه أبو يعلى في المسند، والضياء في المختارة.
وعن أبي سعيد رضي الله عنه قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: الحق مع ذا الحق مع ذا، مشيراً إلى علي بن أبي طالب. أخرجه أبو يعلى في المسند، والضياء في المختارة.
وعن كعب بن عجرة رضي الله عنه أنّ رسول الله قال: سيكون بين يدي السّاعة فرقة واختلاف، فيكون هذا ـ مشيراً إلى عليّ بن أبي طالب ـ وأصحابه على الحق. أخرجه الطبراني في الكبير.
وعن أبي ليلى الغفاري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سيكون بعدي فتنة، فإذا كان ذلك فالزموا عليّ بن أبي طالب، فإنّه الفاروق بين الحق والباطل. أخرجه أبو نعيم في المعرفة.
وعن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لعليّ بن أبي طالب: أما إنّك ستلقى بعدي جهداً. قال: في سلامة من ديني؟ قال: نعم. أخرجه الحاكم في المستدرك.
وعنه ـ يعني أنّ علي رضي الله عنه قال ـ : قال لي رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: لولا أن تقول فيك طوائف من اُمّتي ما قالت النصارى في المسيح، لقلت فيك قولاً ، ثمّ لا تمرّ بملأ إلاّ أخذوا من تراب رجليك وفضل طهورك أو يستشفون بك، وحسبك أن تكون منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي، وإنّك تبرىء ذمّتيوتقاتل على سنّتي، إنّك في الآخرة معي، وإنّك على الحوض خليفتي، وإنّك أوّل من يكسى معي، وإنّك أوّل من يدخل الجنّة من اُمّتي، وإنّ محبّيك على منابر من نور مبيضّة وجوههم، أشفع لهم ويكونوا غداً جيراني، وإنّ حربك حربي وسلمك سلمي، وسرّك سرّي وعلانيتك علانيتي، وأمرك أمري وسريرة صدرك كسريرة صدري، وإنّ ولدك ولدي، وأنت منجز عداتي، وإنّ الحقّ معك وعلى لسانك وفي قلبك وبين عينيك، والإيمان مخالط بلحمك ودمك كما خالط لحمي ودمي، وإنّه لن يرد على الحوض مبغض لك، ولا يغيب عنك محبّ لك حتّى ترد الحوض معي.
قال: فخرّ عليٌّ رضي الله عنه ساجداً ثمّ قال: الحمد لله الذي أنعم علَيّ بالإسلام، وعلّمني القرآن، وحبّبني إلى خير البريّة خاتم النبيّين وسيّد المرسلين، إحساناً منه وتفضّلاً. أخرجه ابن اُسبوع الأندلسي في كتابه الشفاء»(46).
وقال البدخشي في (نزل الأبرار) وقد التزم فيه بالصحّة:
«أخرج أبو علي والضّياء عن أبي سعيد رضي الله عنه، أنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: الحقّ مع ذا الحقّ مع ذا، يعني علي بن أبي طالب»(47).
وفي (كنز العمّال):
«الحقّ مع ذا، الحقّ مع ذا، يعني عليّاً. ع ص عن أبي سعيد»(48).
وفي (مودّة القربى):
«عن ابن عبّاس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: يا ابن عبّاس عليك بعليّ فإنّ الحقّ على لسانه وإنّ النفاق بجانبه، إنّ هذا قفل الجنّة ومفتاحها، وقفل النّار ومفتاحها، به يدخلون الجنّة وبه يدخلون النّار»(49).
وقال الراغب الإصفهاني في (كتاب المحاضرات) في فضائل سيّدنا أميرالمؤمنين عليه الصلاة والسلام:
«وقال صلّى الله عليه وسلّم: الحقّ مع عليّ وعليّ مع الحقّ، لن يزولا حتّى يردا عليّ الحوض»(50).
وفي (الصواعق المحرقة):
«الحديث الحادي والعشرون: أخرج الطبراني في الأوسط والصغير، عن اُمّ سلمة قالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: علي مع القرآن والقرآن مع عليّ، لا يفترقان حتّى يردا علَيّ الحوض»(51).
وقال الحاكم النيسابوري:
«أخبرنا أبوبكر محمّد بن عبدالله الحفيد، حدّثنا أحمد بن محمّد بن نصر، حدّثنا عمرو بن طلحة القنّاد الثقة المأمون، حدّثنا عليّ بن هاشم بن البريد، عن أبيه قال: حدّثني أبو سعيد التّيمي، عن أبي ثابت مولى أبي ذر قال: كنت مع عليّ رضي الله عنه يوم الجمل، فلمّا رأيت عائشة واقفة دخلني بعض ما يدخل النّاس، فكشف الله عنّي ذلك عند صلاة الظهر، فقاتلت مع أميرالمؤمنين، فلمّا فرغ ذهبت إلى المدينة فأتيت اُمّ سلمة فقلت: إنّي والله ما جئت أسأل طعاماً ولا شراباً ولكنّي مولى لأبي ذر، فقالت: مرحباً، فقصصت عليها قصّتي. فقالت: أين كنت حين طارت القلوب مطائرها؟ قلت: إلى حيث كشف الله ذلك عنّي عند زوال الشمس. قالت: أحسنت، سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: عليّ مع القرآن والقرآن مع عليّ لن يتفرّقا حتّى يردا علَيّ الحوض. هذا حديث صحيح الإسناد، وأبو سعيد التيمي هو عقيصاء، ثقة مأمون ولم يخرجاه.
أخبرنا أحمد بن كامل القاضي، حدّثنا أبو قلابة، حدّثنا أبو عتاب سهل ابن حمّاد، حدّثنا المختار بن نافع التميمي، حدّثنا أبو حيّان التيمي، عن أبيه عن عليّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: رحم الله عليّاً، اللّهمّ أدر الحقّ معه حيث دار. هذا حديث صحيح على شرط مسلم ولم يخرجاه»(52).
دلّت هذه الأحاديث المتكثّرة على أنّ الحقّ ما فارق عليّاً عليه السلام ولا لحظةً من حياته المباركة، وأنّ حروبه كلّها كانت على الحق، وأنّ من تخلّف عنه فقد فارق الحق وكان على الباطل…
وقد خالف أبو موسى مقتضى هذه الأحاديث طلباً للحطام ومخالفة للإمام عليه السلام، ومن العجب أنّ أبا موسى نفسه أيضاً من رواة هذا المعنى عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم كما تقدّم… فما عذره عند الله ورسوله ممّا صنع؟ بل الأشنع من ذلك تخذيله الناس عن الإمام ومنعه إيّاهم من نصرته؟!
وأمّا ما اعتذر به من أنّه سمع النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول: ستكون فتنة… فيبطله الأحاديث المتقدّمة، لاسيّما وأنّه من الرواة فيها…
وأيضاً، فقد أبطله وردّ عليه الصحابي العظيم عمّار بن ياسر، فيما أخرجه أبو يعلى وابن عساكر، والمتقي الهندي عنهما:
«عن أبي مريم قال: سمعت عمّار بن ياسر يقول: يا أبا موسى، اُنشدك الله، ألم تسمع رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من كذب عليَّ متعمّداً فليتبوّأ مقعده من النّار؟ وأنا سائلك عن حديث، فإنْ صدقت وإلاّ بعثت عليك من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم من يقررك به، اُنشدك الله، أليس إنّما عناك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنت نفسك فقال: إنّها ستكون فتنة بين اُمّتي، أنت ـ يا أبا موسى ـ فيها نائماً خير منك قاعداً، وقاعداً خير منك قائماً، وقائماً خيرٌ منك ماشياً، فخصّك رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ولم يعمّ النّاس؟ فخرج أبو موسى ولم يرد عليه شيئاً. ع، كر» أي: رواه أبو يعلى وابن عساكر(53).
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13: 48.
(2) الامامة والسياسة 1: 65 ـ 66.
(3) صحيح البخاري 9: 70 ـ 71 كتاب الفتن.
(4) المستدرك على الصحيحين 3: 117.
(5) المستدرك على الصحيحين 3: 117.
(6) مروج الذهب 3: 104/1630 (بنحوه) تذكرة خواص الاُمّة: 70.
(7) سورة الإسراء 17: 18.
(8) سورة الإسراء 17: 22.
(9) سورة الإسراء 17: 39.
(10) تفسير الجلالين ط ذيل تفسير البيضاوي 1: 581.
(11) النهاية في غريب الحديث والأثر 2: 103 «دحر».
(12) النهاية في غريب الحديث والأثر 4: 255.
(13) تفسير الرازي 20: 178.
(14) تفسير النسفي = مدارك التنزيل 1: 709.
(15) تفسير البغوي = معالم التنزيل 3: 497.
(16) تفسير الرازي 20: 214.
(17) تذكرة خواص الاُمّة: 93.
(18) المستدرك على الصحيحين 3: 116 ـ 117 كتاب معرفة الصحابة.
(19) جامع الاصول 10: 67 و760/7535 و8437.
(20) المعجم الكبير 4: 17/3514، و5: 171/4985.
(21) المستدرك على الصحيحين 3: 129 كتاب معرفة الصحابة.
(22) التحفة الإثنا عشريّة، الباب الرابع: 130.
(23) التحفة الإثناعشريّة، الباب السابع: 219.
(24) المستدرك على الصحيحين 3: 121 كتاب معرفة الصحابة.
(25) المستدرك على الصحيحين 3: 146 كتاب معرفة الصحابة.
(26) المستدرك على الصحيحين 3: 122 كتاب معرفة الصحابة.
(27) المستدرك على الصحيحين 3: 139 كتاب معرفة الصحابة.
(28) المستدرك على الصحيحين 3: 140 كتاب معرفة الصحابة.
(29) شرح السنّة 6: 168/2009 كتاب قتال أهل البغي الباب 1.
(30) كنز العمّال 13: 110/36361.
(31) كنز العمّال 13: 112 ـ 113/36367.
(32) مطالب السئول: 104 ـ 105.
(33) المستدرك على الصحيحين 3: 123 كتاب معرفة الصحابة.
(34) اُسد الغابة في معرفة الصحابة 3: 325/3271.
(35) خصائص علي: 219/156.
(36) مسند أحمد بن حنبل 3: 501/11364 بنحوه.
(37) اُنظر: دلائل الصدق لنهج الحق 2: 429 ـ 430/17.
(38) المعجم المختص: 91/143.
(39) كنز العمّال 13: 107 ـ 108/36351.
(40) مفتاح النجاء في مناقب آل العباء. مخطوط.
(41) التحفة الاثنى عشرية: 219، الباب السابع.
(42) مفتاح النجا في مناقب آل العباء، الفصل 18 ـ مخطوط.
(43) إزالة الخفاء في تاريخ الخلفاء، عن المستدرك على الصحيحين 3: 124.
(44) كنز العمّال 11: 621/33016.
(45) مودّة القربى: 28 عنه ينابيع المودّة 2: 313.
(46) الاكتفاء في مناقب الخلفاء ـ مخطوط.
(47) نزل الأبرار بما صحّ من مناقب أهل البيت الأطهار: 24.
(48) كنز العمّال 11: 621/33018.
(49) مودّة القربى: 27، عنه ينابيع المودّة 2: 311.
(50) محاضرات الادباء 4: 478.
(51) الصواعق المحرقة 2: 361.
(52) المستدرك على الصحيحين 3: 124 كتاب معرفة الصحابة.
(53) كنز العمّال 11: 273/31498.