مشكلة الفاتحة والمعوّذتين وطرق حلّها
ثمّ إنّ ابن مسعود كان لا يرى الفاتحة والمعوّذتين قرآناً، وهذا ممّا يحزّ في قلوب القوم، ويجعلهم يضطربون في حلّه:
قال الراغب في فصل بيان ما ادّعي أنّه من القرآن ممّا ليس في المصحف وما ادّعي أنّه ليس منه وهو فيه: «وأسقط ابن مسعود من مصحفه اُم القرآن والمعوّذتين»(1).
وفي (المسند): «عن عبدالرحمن بن يزيد قال: كان عبدالله يحكّ المعوّذتين من مصاحفه ويقول: إنّهما ليستا من كتاب الله تبارك وتعالى»(2).
وفي (الدرّ المنثور): «أخرج عبد بن حميد ومحمّد بن نصر المروزي في كتاب الصّلاة وابن الأنباري في المصاحف عن محمّد بن سيرين: إنّ اُبي ابن كعب كان يكتب فاتحة الكتاب والمعوّذتين، واللّهمّ إيّاك نعبد واللّهمّ إنّا نستعينك. ولم يكتب ابن مسعود شيئاً منهنَّ. وكتب عثمان بن عفّان فاتحة الكتاب والمعوّذتين»(3).
وفي (الدرّ المنثور) أيضاً: «أخرج عبد بن حميد عن إبراهيم قال: كان عبدالله لا يكتب فاتحة الكتاب في المصحف وقال: لو كتبتها لكتبت في أوّل كلّ شيء»(4).
وفي (تاريخ الخميس) بعد العبارة المنقولة آنفاً: «ولحذفه المعوّذتين من مصحفه، مع الشهرة عند الصحابة أنّهما من القرآن»(5).
هذا، وقد قالوا بأنّ إنكار الفاتحة والمعوّذتين كفر، فقد جاء في (الإتقان):
«قال النووي في شرح المهذّب: أجمع المسلمون على أنّ المعوّذتين والفاتحة من القرآن، وأنّ من جحد منها شيئاً كفر»(6).
وإذا كان «من أنكر شيئاً منها كفر» فقد أنكر ابن مسعود كلّها!!
ومن هنا وقعوا في المشكلة:
قال السيوطي في (الإتقان): «ومن المشكل على هذا الأصل: ما ذكره الإمام فخرالدين الرازي قال: نقل في بعض الكتب القديمة أنّ ابن مسعود كان ينكر كون سورة الفاتحة والمعوّذتين من القرآن، وهو في غاية الصعوبة، لأنّا إنْ قلنا: إنّ النقل المتواتر كان حاصلاً في عصر الصحابة بكون ذلك من القرآن، فإنكاره يوجب الكفر، وإنْ قلنا: لم يكن حاصلاً في ذلك الزمان، فيلزم أن جيكونج القرآن ليس بمتواتر في الأصل»(7).
وتحيّروا كيف يخرجون من هذه العويصة:
(1) محاضرات الادباء 4: 434.
(2) مسند أحمد بن حنبل 6: 154/20683.
(3) الدرّ المنثور 1: 10. وفيه: إيّاك نستعين، بدل: اللهمّ إنّا نستعينك.
(4) الدرّ المنثور 1: 10.
(5) تاريخ الخميس 2: 273.
(6) الإتقان في علوم القرآن 1: 271.
(7) الإتقان في علوم القرآن 1: 270 ـ 271.