محمّد بن السّائب الكلبي
ومنهم: محمّد بن السائب الكلبي «صاحب التفسير وعلم النسب، كان إماماً في هذين العلمين»(1).
وأخرج عنه الترمذي وغيره من كبار الأعلام(2).
وقال ابن عدي:
«وللكلبي غير ما ذكرت أحاديث صالحة، خاصّة عن أبي صالح، وهو معروف بالتفسير، وليس لأحد تفسير أطول منه ولا أشبع منه، وبعده مقاتل بن سليمان، إلاّ أنّ الكلبي يفضَّل على مقاتل بن سليمان، لما قيل في مقاتل من المذاهب الرديّة.
وحدّث عن الكلبي الثوري وشعبة، وإن كانا حدّثا عنه بالشيء اليسير غير المسند، وحدّث عنه: ابن عيينة وحمّاد بن سلمة وهشيم وغيرهم من ثقات الناس، ورضوه في التفسير…»(3).
«وقال الحسن بن عثمان القاضي: وجدت العلم بالعراق والحجاز ثلاثة: علم أبي حنيفة وتفسير الكلبي ومغازي محمّد بن إسحاق»(4).
وقال البزدوي:
«ليس من اتّهم بوجه مّا يسقط به كلّ حديثه، مثل الكلبي وأمثاله…»(5).
فقال شارحه بشرح هذه الجملة:
«قوله: مثل الكلبي. هو أبو سعيد محمّد بن السائب الكلبي صاحب التفسير ويقال له أبوالنضر أيضاً، طعنوا فيه بأنّه يروي تفسير كلّ آية عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، وتسمّى زوائد الكلبي، وبأنّه روى حديثاً عند الحجّاج، فسأله عمّن يرويه، فقال: عن الحسن بن علي رضي الله عنهما، فلمّا خرج قيل له: هل سمعت ذلك من الحسن؟ فقال: لا، ولكنّي رويت عن الحسن غيظاً له.
وذكر في الأنساب أنّ الثوري ومحمّد بن إسحاق يرويان عنه ويقولان: حدّثنا أبوالنضر، حتّى لا يعرف.
قال: وكان الكلبي سبائيّاً من أصحاب عبدالله بن سبأ، من أولئك الّذين يقولون: إنّ عليّاً لم يمت، وأنّه راجع إلى الدنيا قبل قيام السّاعة، فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً، وإذا رأوا سحابة قالوا: أميرالمؤمنين فيها، والرعد صوته، والبرق سوطه، حتّى تبرّأ واحد منهم وقال:
ومن قوم إذا ذكروا عليّاً *** يفصّلون الصّلاة على السحاب
مات الكلبي سنة ست وأربعين ومائة.
وأمثاله: مثل عطاء بن السائب وربيعة بن عبدالرحمن وسعيد بن أبي عروبة وغيرهم، اختلطت عقولهم فلم تُقبل رواياتهم التي بعد الإختلاط، وقبلت الروايات التي قبله.
فإن قيل: ما نقل عن الكلبي يوجب الطعن عامّاً، فينبغي أن لا تقبل رواياته جميعاً.
قلنا: إنّما يوجب ذلك إذا ثبت ما نقلوا عنه بطريق القطع، فأمّا إذا اتّهم به، فلا يثبت حكمه في غير موضع التهمة، وينبغي أن لا يثبت في موضع التهمة أيضاً، إلاّ أنّ ذلك يورث شبهة في الثبوب، وبالشبهة تردّ الحجّة وينتفي ترجّح الصدق في الخبر، فلذلك لم يثبت. أو معناه ليس كلّ من اتّهم بوجه ساقط الحديث، مثل الكلبي وعبدالله بن لهيعة والحسن بن عمارة وسفيان الثوري وغيرهم، فإنّه قد طعن في كلّ واحد منهم بوجه، ولكن علوّ درجتهم في الدّين وتقدّم رتبتهم في العلم والورع، منع من قبول ذلك الطعن في حقّهم ومن ردّ حديثهم به، إذ لو ردّ حديث أمثال هؤلاء بطعن كلّ أحد، انقطع طريق الرواية واندرس الأخبار، إذ لم يوجد بعد الأنبياء عليهم السلام من لا يوجد فيه أدنى شيء ممّا يجرح، إلاّ من شاء الله تعالى، فلذلك لم يلتفت إلى مثل هذا الطعن، فيحمل على أحسن الوجوه، وهو قصد الصيانة كما ذكر»(6).
وقال القاضي العامري في كتاب (الناسخ والمنسوخ):
«قد خرّجت هذا من التفاسير التي سمعتها من الأئمّة رحمهم الله، منها ما سمعت من الأستاذ الإمام أبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الإسفرايني رحمه الله، مثل تفسير مقاتل بن سليمان والحلبي والكلبي… ولم أعتمد إلاّ بما صحّ عندي بتواتر واستفاضة، أو روي في الصحاح بغير طعن الطاعن، والله الموفّق لذلك»(7).
لكن العجب، أنّ أئمّة القوم يطعنون في الكلبي وتفسيره، فمنهم من يقول هو كاذب، ومنهم من ينادي بضلالته وإلحاده، ومنهم من يحرّم أنْ يُنظر في تفسيره…
قال الذهبي في (ميزان الإعتدال):
«قال أحمد بن زهير لأحمد بن حنبل: يحلّ النظر في تفسير الكلبي؟ قال: لا.
عبّاس عن ابن معين قال: الكلبي ليس بثقة.
وقال الجوزجاني وغيره: كذّاب.
وقال الدارقطني وجماعة: متروك.
وقال ابن حبّان: مذهبه في الدين ووضوح الكذب فيه، أظهر من أن يحتاج إلى الإغراق في وصفه»(8).
وفي (تذكرة الموضوعات):
«قد قال أحمد في تفسير الكلبي: من أوّله إلى آخره كذب، لا يحلُّ النظر فيه»(9).
(1) وفيات الأعيان 4: 309/634.
(2) تهذيب التهذيب 9: 157.
(3) تهذيب الكمال 25: 251 ـ 252/5234.
(4) تاريخ بغداد 13: 347/7297.
(5) اُصول الفقه (متن كشف الأسرار) 3: 72.
(6) كشف الأسرار ـ شرح اصول البزدوي 3: 72 ـ 73.
(7) الناسخ والمنسوخ للقاضي العامري ـ مقدّمة الكتاب.
(8) ميزان الاعتدال 3: 558 ـ 559/7574.
(9) تذكرة الموضوعات: 82.