لعن أميرالمؤمنين عليه السلام ابن الزبير
ومن الطرائف: رواية القوم إنّ عليّاً عليه السلام لعن عبدالله بن الزبير، فقد رواه ابن السمان في كتاب (الموافقة) وعنه المحب الطبري في (الرياض النضرة).
ولا يخفى أنّ المحبّ الطبري من كبار الأئمّة الحفّاظ، كما ترجم له الأسنوي في (طبقات الشافعيّة)(1) وقال الذهبي في (المعجم المختص):
«أحمد بن عبدالله بن محمّد، الإمام الحافظ المفتي، شيخ الحرم، ومحبّ الدين أبوالعبّاس، الطبري، ثمّ المكّي، الشافعي، مصنّف الأحكام الكبرى، كان عالماً عاملاً جليل القدر، عارفاً بالآثار، ومن نظر في أحكامه عرف محلّه من العلم والفقه. عاش ثمانين سنة، وكتب إليّ بمرويّاته في سنة ثلاث وسبعين وستمائة»(2).
وهذا نصّ ما رواه المحبّ الطبري في خبر قتل عثمان:
«فبلغ عليّاً وطلحة والزبير وسعداً ومن كان بالمدينة، فخرجوا، وقد ذهبت عقولهم حتّى دخلوا على عثمان، فوجدوه مقتولاً، فاسترجعوا، وقال علي لابنيه: كيف قتل أميرالمؤمنين وأنتما على الباب؟ ورفع يده فلطم الحسن، وضرب صدر الحسين، وشتم محمّد بن طلحة، ولعن عبدالله بن الزبير، وخرج علي وهو غضبان»(3).
وإذا كان في هذا الخبر فضيلة لعثمان، فهو يشتمل على لعن الإمام عليه السلام عبدالله بن الزبير… وقد صرّحوا بأنّ اللعن دليل الكفر، لأنّ مرتكب الكبيرة لا يجوز لعنه عندهم كما في (التحفة الاثني عشرية) بل في (الصواعق): «لا يجوز أن يلعن شخص بخصوصه، إلاّ إن علم موته على الكفر، كأبي جهل وأبي لهب. وأمّا من لم يعلم فيه ذلك فلا يجوز لعنه، حتّى أنّ الكافر الحيّ المعيَّن لا يجوز لعنه»(4).
فإذا كان أميرالمؤمنين قد لعن ابن الزبير، فلا ريب في أنّه قد مات على الكفر، وإلاّ لم يلعنه الإمام عليه السلام وقد قال رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ كما في (صحيح البخاري) ـ : «لعن المؤمن كقتله»(5) فيشمله الوعيد في الآية: (ومن يقتل مؤمناً متعمّداً فجزاؤه جهنّم خالداً فيها وغضب الله عليه ولعنه وأعدّ له عذاباً عظيماً)(6).
وأيضاً: ففي الحديث ما معناه: إنّ اللعن غير السائغ يعود على صاحبه، روى المتقي الهندي: «إذا خرجت اللعنة من فيّ صاحبها نظرت، فإنْ وجدت مسلكاً في الذي وجّهت إليه وإلاّ عادت إلى الذي خرجت منه. هب عن عبدالله.
إنّ العبد إذا لعن شيئاً صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثمّ تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثمّ تأخذ يميناً وشمالاً، فإذا لم تجد مساغاً رجعت إلى الذي لعن، إن كان لذلك أهلاً، وإلاّ رجعت إلى قائلها. د عن أبي الدرداء»(7).
(1) طبقات الشافعيّة للأسنوي 2: 72/796.
(2) المعجم المختص للذهبي: 24/20.
(3) الرياض النضرة 3: 65 ـ 66.
(4) الصواعق المحرقة 2: 637.
(5) صحيح البخاري 8: 19 كتاب الأدب ـ باب ما يُنهى من السباب واللعن.
(6) سورة النساء 4: 93.
(7) كنز العمّال 3: 614/8169 و8170.