كلمات الحفّاظ بشرح كلام أبي برزة
ثمّ إنّ علماء القوم ـ بالرَّغم من تأوّلهم للأحاديث القادحة في الصّحابة دفاعاً عنهم ـ لم يتمكّنوا من تأويل كلام أبي برزة ولو بالتمحّل، بل أيّدوا بشرحه دلالته على الذمّ والقدح لابن الزّبير، كما عرفت من كلمات ابن حجر والملقّن.
وقال ابن حجر بشرحه:
«وفيه: استشارة أهل العلم والدين عند نزول الفتن، وبذل العالم النصيحة لمن يستشيره. وفيه: الإكتفاء في إنكار المنكر بالقول ولو في غيبة من ينكر عليه، ليتّعظ من يسمعه فيحذر من الوقوع فيه»(1).
وقال ابن الملقّن بشرحه:
«وأمّا يمينه: أنّ الذي بالشام ما يقاتل إلاّ على الدنيا، وهو عبدالملك، فوجهه أنّه كان يريد أنْ يأخذ بسيرة عثمان والحسن . وأمّا يمينه على الذي بمكّة، يعني ابن الزبير، فإنّه لمّا وثب بمكّة ـ بعد أنْ دخل فيما دخل فيه المسلمون ـ جعله نكثاً وحرصاً على الدنيا، وهو في هذه أقوى رأياً منه في الاُولى، وكذا القرّاء بالبصرة، لأنّه كان لا يرى الفتنة في الإسلام أصلاً، وكان يرى أنْ يترك صاحب الأمر حقّه لمن نازعه فيه، لأنّه مأجور في ذلك ممدوح بالإيثار على نفسه، وكان يريد من المقاتل أنْ لا يقتحم النّار في قيامه وتفريقه الجماعة وتشتيت الكلمة، ولا يكون سبباً لسفك الدماء واستباحة الحرام، أخذاً بقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: إذا التقى المسلمان بسيفهما فالقاتل والمقتول في النّار، فلم ير القتال البتة، وخشي أن يقول في ابن الزبير شيئاً، لأنّه كان من العبادة بمكان، وممّا عيّر عليه في خلافته أنّه استأثر بشيء من مال الله».
وما قاله ابن الملقّن في آخر كلامه من أنّ أبي برزة «خشي أنْ يقول في ابن الزبير شيئاً» واضحٌ مافيه، لأنّ أبابرزة يقسم قائلاً بأنّ ابن الزبير ما يقاتل إلاّ على الدنيا… وفي هذا الكلام كلُّ شيء، لأنّ القتال على الدنيا اُم الخبائث والشرور وأصل الفسق والفجور، فكيف يقال أنّه لم يقل فيه شيئاً؟! وأيّ فائدة مع هذا لكثرة العبادة؟
(1) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 13: 62.