قصّة أبي حنيفة معه
هذا، وقد جاء في (تاريخ بغداد) ما نصّه:
«ودخل قتادة الكوفة ونزل في دار أبي بردة، فخرج يوماً ـ وقد اجتمع إليه خلق كثير ـ فقال قتادة: والله الذي لا إله إلاّ هو، ما يسألني اليوم أحد عن الحلال والحرام إلاّ أجبته.
فقام إليه أبو حنيفة فقال: يا أباالخطّاب! ما تقول في رجل غاب عن أهله أعواماً، فظنّت امرأته أنّ زوجها مات، فتزوّجت، ثمّ رجع زوجها الأوّل، ما تقول في صداقها؟ وقال لأصحابه الذين اجتمعوا إليه: لئن حدّث بحديث ليكذبنّ، ولئن قال برأيه ليخطئنّ.
فقال قتادة: ويحك! أوقعت هذه المسألة؟
قال: لا.
قال: فلم تسألني عمّا لم يقع؟
قال أبو حنيفة: إنّا نستعدّ للبلاء قبل نزوله، فإذا وقع عرفنا الدخول فيه والخروج منه.
جفقالج قتادة: والله لا اُحدّثكم بشيء من الحلال والحرام، سلوني عن التفسير.
فقام إليه أبو حنيفة فقال له: يا أباالخطّاب! ما تقول في قوله تعالى: (قال الذي عنده علمٌ من الكتاب أنا آتيك به قبلَ أنْ يرتدَّ إليكَ طَرْفُكَ)؟
قال: نعم، هذا آصف بن برخيا بن سمعيا كاتب سليمان بن داود، كان يعرف اسم الله الأعظم.
فقال أبو حنيفة: وهل كان يعرف الإسم سليمان؟
قال: لا.
قال: فيجوز أن يكون في زمن نبي من هو أعلم من النبي؟
قال قتادة: والله لا اُحدّثكم بشيء من التفسير، سلوني عمّا اختلف فيه العلماء.
قال: فقام إليه أبو حنيفة فقال: يا أباالخطّاب! أمؤمن أنت؟
قال: أرجو.
قال: ولِمَ؟
قال: يقول إبراهيم عليه السلام (والذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدين).
فقال أبو حنيفة: هلاّ قلت كما قال إبراهيم عليه السلام: (قال أولم تؤمن قال بلى) فهلاّ قلت: بلى؟
قال: فقام قتادة مغضباً ودخل الدّار، وحلف أن لا يحدّثهم»(1).
(1) تاريخ بغداد 13: 348 ـ 349/7297.