لكنّ ابن تيميّة يقول ـ في الجواب عن الإستدلال بالحديث الوارد بذيل الآية (وأنذر عشيرتك الأقربين) الذي رواه ابن أبي حاتم أيضاً، كما في (الدرّ المنثور)(1):
«والجواب من وجوه:
الأوّل: المطالبة بصحّة النقل، وما ادّعاه من نقل النّاس كافّة، من أظهر الكذب عند أهل العلم بالحديث، فإنّ هذا الحديث ليس في شيء من كتب المسلمين التي يستفيدون منها علم النقل، لا في الكتب الصحاح ولا في المسانيد والسنن والمغازي والتفسير التي يذكر فيها الإسناد الذي يحتجّ به، وإذا كان في بعض كتب التفسير التي ينقل فيها الصحيح والضعيف مثل تفسير الثعلبي والواحدي والبغوي بل وابن جرير وابن أبي حاتم، لم يكن مجرّد رواية واحد من هؤلاء دليلاً على صحّته باتفاق أهل العلم، فإنّه إذا عرف أنّ تلك المنقولات فيها صحيح وضعيف، فلابدّ من بيان أنّ هذا المنقول من قسم الصحيح دون الضعيف، وهذا الحديث غايته أن يوجد في بعض كتب التفسير التي فيها الغثّ والسمين، بل وفيها أحاديث كثيرة موضوعة مكذوبة، مع أنّ كتب التفسير التي يوجد فيها هذا مثل تفسير ابن جرير وابن أبي حاتم والثعلبي والبغوي ينقل فيها بالأسانيد الصحيحة ما يناقض هذا».
وقال:
«الثالث: إنّ هذا الحديث كذب موضوع عند أهل المعرفة بالحديث، فما من عالم يعرف الحديث إلاّ وهو يعلم أنّ هذا كذب موضوع، وهذا لم يروه أحد منهم في الكتب التي يرجع إليها في المنقولات، لأنّ أدنى من له معرفة بالحديث يعلم أنّ هذا كذب»(2).
وعلى هذا، فإنّ جميع المدائح المذكورة لابن أبي حاتم وتفسيره تذهب أدراج الرّياح.
هذا بالنسبة إلى تفسيره.
وأمّا بالنسبة إلى كتابه في الجرح والتعديل، فقد ذكر ابن الجوزي في (تلبيس إبليس) ما نصّه:
«وبالإسناد عن أبي الحسن علي بن محمّد البخاري يقول: سمعت محمّد ابن الفضل العبّاسي يقول: كنّا عند عبدالرحمان بن أبي حاتم وهو يقرأ علينا كتاب الجرح والتعديل، فدخل عليه يوسف بن الحسين الرازي فقال: يا أبا محمّد، ما هذا الذي تقرؤه على الناس؟ فقال: كتاب صنّفته في الجرح والتعديل. فقال: وما الجرح والتعديل؟ فقال: أظهر أحوال أهل العلم من كان منهم ثقة أو غير ثقة. فقال له يوسف بن الحسين: استحييت لك يا أبامحمّد من هؤلاء القوم، قد حطّوا رواحلهم في الجنّة منذ مائة سنة ومائتي سنة، تذكرهم وتغتابهم على أديم الأرض. فبكى عبدالرحمان وقال: يا أبا يعقوب لو سمعت هذه الكلمة قبل تصنيفي هذا الكتاب لم اُصنّفه»(3).
ولكنّ هذا الكلام يدلّ على جهل ابن أبي حاتم وعدم فهمه، للزوم المفسدة العظيمة في الدين والشريعة لولا الجرح والتعديل للرجال… ولذا قال ابن الجوزي:
«قلت: عفا الله عن ابن أبي حاتم، فإنّه لو كان فقيهاً لردّ عليه كما ردّ إمام القوم في الجنّة أحمد على أبي تراب، ولولا الجرح والتعديل من أين كان يعرف الصحيح من الباطل. ثمّ كون القوم في الجنّة لا يمنع أن نذكرهم بما فيهم، وتسمية ذلك غيبة حديث سوء. ثمّ من لا يدري الجرح والتعديل ما هو كيف يذكر كلامه؟»(4).
(1) الدر المنثور 6: 327 ـ 328.
(2) منهاج السنة 4: 128 ـ 129.
(3) تلبيس إبليس: 379.
(4) تلبيس إبليس: 379 باختلاف في النص.