طعن أبي حنيفة فيه
وأنس بن مالك كان مطعوناً عند إمامهم الأعظم أبي حنيفة، ذكر ذلك الزندويستي الحنفي ـ ومن أكابر علماء القوم، وصفه الكفوي في (كتائبه) بأنّه «كان إماماً فقيهاً ورعاً»(1) وترجم له عبدالقادر في (طبقاته)(2) ـ حيث قال:
«روي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنّه سئل فقيل له: إذا قلت قولاً، وكان كتاب الله تعالى يخالف قولك؟ قال: أترك قولي بكتاب الله تعالى، فقيل: إذا كان خبر الرسول يخالف قولك؟ قال: أترك قولي بخبر الرسول، فقيل: إذا كان قول الصحابة يخالف قولك؟ فقال: أترك قولي بقول الصحابي، فقيل له: إذا كان قول التابعين يخالف قولك؟ قال: إذا كان التابعي رجلاً فأنا رجل.
ثمّ قال: أترك قولي بجميع قول الصحابة إلاّ ثلاثة منهم: أبو هريرة وأنس ابن مالك وسمرة بن جندب. قال الفقيه أبو جعفر الهندواني رحمه الله: إنّما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة لأنّهم مطعونون»(3).
وقد روى محمّد بن سليمان الكفوي في (كتائب الأعلام) كلام أبي حنيفة حيث قال ـ بعد نقل كلام الصدر الشهيد في بيان وجه ترك أبي حنيفة أنس بن مالك وأباهريرة وعدم تقليدهما ـ وأمّا سمرة فما وجدت في نسختي ثمّ ظفرت في روضة الزندويستي في الباب السابع والتسعين في فضل الصحابة قال فيه:
وتقليد الصحابة يجوز أم لا؟ قال علماؤنا: في ظاهر الاُصول يجوز، وأقاويل جميع الصحابة حجّة نعمل بها، حتّى روي عن أبي حنيفة أنّه سئل فقيل له: إذا قلت قولاً وكتاب الله يخالف قولك؟ قال: أترك قولي بكتاب الله وقول الرسول صلّى الله عليه وسلّم. فقيل: إذا كان قول الصّحابة يخالف قولك؟ قال: أترك قولي بقول الصحابة. فقيل: إذا كان قول التابعين يخالف قولك؟ قال: هم رجال ونحن رجال.
ثمّ قال أبو حنيفة رحمه الله: أترك قولي بقول الصحابة، إلاّ بقول ثلاثة منهم: أبو هريرة وأنس بن مالك وسمرة بن جندب.
قال الفقيه أبو جعفر الهندواني: وإنّما لم يترك قوله بقول هؤلاء الثلاثة، لأنّهم مطعونون»(4).
وأيضاً: قال الكفوي في (كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب نعمان المختار):
«قال الصدر الشهيد أيضاً: عن أبي حنيفة روايتان:
الأوّل: أنّه قال اُقلّد من كان من القضاة المفتين من الصحابة، لقوله: إقتدوا باللذين من بعدي أبي بكر وعمر، وقد اجتمع في حقّهما القضاء والفتوى، فمن كان بمثابتهما مثل: عثمان وعلي والعبادلة الثلاثة وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وغيرهم ممّن كان في معناهم، فاُقلّدهم ولا أستجيز خلافهم برأيي، وخرج عن هذا جماعة منهم: أبو أمامة وسهل بن سعد الساعدي وأبو حميد الساعدي والبراء ابن عازب وغيرهم.
والثاني: قال: اُقلّد جميع الصحابة، ولا أستيجز خلافهم برأيي إلاّ ثلاثة نفر: أنس بن مالك وأبو هريرة وسمرة بن جندب.
فقيل له في ذلك.
فقال: أمّا أنس فقد بلغني أنّه اختلط عقله في آخر عمره، وكان يستفتي من علقمة، وأنا لا اُقلّد علقمة، فكيف اُقلّد من يستفتي من علقمة؟»(5).
(1) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط.
(2) وذكره صاحب هديّة العارفين 1: 307 وأرّخ وفاته بحدود سنة 400.
(3) روضة العلماء، ذكره له صاحب كشف الظنون 1: 928.
(4) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط.
(5) كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار ـ مخطوط.