دفاع الذهبي عن الحسن البصري
ومن لطائف الاُمور: محاولة الذهبي للدفاع عن الحسن، بدعوى أنّه لمّا حوقق على القول بالقدر تبرّأ من ذلك، قال الذهبي:
«الحسن بن يسار، مولى الأنصار، سيّد التابعين في زمانه بالبصرة، كان ثقة في نفسه، حجّةً، رأساً في العلم والعمل، عظيم القدر. وقد بدت منه هفوة في القدر لم يقصدها لذاتها، فتكلّموا، فما ألتفت إلى كلامهم، لأنّه لمّا حوقق عليها تبرّأ منها»(1).
لكنْ ما معنى «لم يقصدها لذاتها»؟ ألم يكن كلامه ظاهراً في معناه الذي فهمه القوم منه فتكلّموا فيه؟ إنّ ما يقوله الذهبي دعوى بلا دليل، بل هو مجرّد تخرّص وتخمين، بل هو أشبه بهذيان المجانين، ويكذّبه كلامه هو حيث قال بعد العبارة السابقة:
«قال حمّاد بن زيد عن أيّوب قال: كذب على الحسن ضربان من الناس: قوم رأيهم القدر لينفقوه في الناس بالحسن، وقوم في صدورهم بغض له، وأنا نازلته في القدر غير مرّة حتّى خوّفته بالسلطان، فقال: لا أعود فيه بعد اليوم. وقال أيّوب: ولا أعلم أحداً يستطيع أنْ يعيب الحسن إلاّ به، وأدركت الحسن ـ والله ـ ما يقوله»(2).
وإذا كان الحسن ينازله الرجال في القدر غير مرّة، ولا يرجع عن القول به إلاّ بعد التخويف بالسلطان، فما معنى أنّه لم يكن قاصداً لما تفوَّه؟
وما ذكره الذهبي في الدفاع عنه من أنّه قد تاب عن المقالة المذكورة ورجع عنها، لا يرفع الإشكال، لأنّ الحسن من القائلين بالتقيّة إلى يوم القيامة، كما رواه البخاري عنه في (الصحيح)(3)، وأهل السنّة يقولون بعدم قبول التوبة ممّن يقول بالتقيّة.
(1) ميزان الاعتدال 1: 527/1968.
(2) تذهيب التهذيب ـ مخطوط.
(3) صحيح البخاري 9: 25 كتاب الإكراه.