خروجه لقتال الإمام عليه السلام
ولا خلاف في أنّ عبدالله بن الزبير من الخارجين على الإمام، والمبادرين لمحاربة أميرالمؤمنين عليه السلام، وهذا من أعظم معاصيه وأقبح مخازيه، وقد أفادت الأحاديث النبويّة الثابتة بأنّ قتال الإمام عليه السلام كفر، لأنّ قتال المسلم أشنع وأقبح من سبابه، وإذا كان سبّ أميرالمؤمنين كفراً، فمحاربته وقتاله كفر، بالأولويّة القطعيّة.
أمّا الدليل على أنّ المحاربة والقتال أشدّ من السب، فقد أخرج البخاري في كتاب الإيمان بإسناده عن عبدالله: «إنّ النبي صلّى الله عليه وسلّم قال: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»(1).
وفي كتاب الفتن بإسناده: «قال عبدالله: قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»(2).
وفي كتاب الأدب، بإسناده عن عبدالله قال: «قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر»(3).
وقال المنذري في (الترغيب والترهيب): «عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر.
رواه البخاري، ومسلم، والترمذي، والنسائي، وابن ماجة»(4).
فقال ابن حجر في شرحه:
«لمّا كان القتال أشدّ من السباب، لأنّه مفض إلى إزهاق الروح، عبّر عنه بلفظ أشدّ من لفظ الفسق، وهو الكفر»(5).
وأمّا الدليل على أنّ سبّ علي عليه السلام كفر، فالأحاديث الصحيحة الثابتة:
أخرج الحاكم:
«أخبرنا أحمد بن كامل القاضي، حدّثنا محمّد بن سعد العوفي، حدّثنا يحيى بن أبي بكر، حدّثنا إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن أبي عبدالله الجدلي قال: دخلت على اُم سلمة رضي الله عنها فقالت لي: أيسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم فيكم؟ فقلت: معاذ الله أو سبحان الله أو كلمة نحوها. فقالت: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من سبّ عليّاً فقد سبّني. هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه.
وقد رواه بكير بن عثمان البجلي، عن أبي إسحاق بزيادة ألفاظ: حدّثنا أبو جعفر أحمد بن عبيد الحافظ بهمدان، حدّثنا أحمد بن موسى بن إسحاق التميمي، حدّثنا جندل بن والق، حدّثنا بكير بن عثمان البجلي قال: سمعت أباإسحاق التميمي يقول: سمعت أبا عبدالله الجدلي يقول: حججت ـ وأنا غلام ـ فمررت بالمدينة، وإذا الناس عنق واحد فأتبعتهم، فدخلوا على اُم سلمة زوج النبي صلّى الله عليه وسلّم، فسمعتها تقول: يا شبث بن ربعي، فأجابها رجل جلف جاف: لبّيك يا اُمّاه. قالت: يسبّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في ناديكم؟! قال: وأنّى ذلك. قالت: فعليّ بن أبي طالب. قال: إنّا لنقول أشياء نريد عرض الدنيا، قالت: فإنّي سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: من سبّ عليّاً فقد سبّني، ومن سبّني فقد سبّ الله تعالى»(6).
وأخرج الحاكم:
«أخبرني محمّد بن أحمد بن تميم القنطري، حدّثنا أبو قلابة الرقاشي، حدّثنا أبو عاصم، عن عبدالله بن مؤمّل، حدّثني أبوبكر بن عبيدالله بن أبي مليكة عن أبيه قال: جاء رجل من أهل الشام، فسبّ عليّاً عند ابن عبّاس، فحصبه ابن عبّاس فقال: يا عدوّ الله، آذيت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم (إنّ الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً)لو كان رسول الله صلّى الله عليه وسلّم حيّاً لآذيته. هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه»(7).
وما ذكره بعض المتكلّمين المتعصّبين في الدفاع عن أصحاب الجمل الناكثين، من أنّهم ما كانوا يقصدون المحاربة، ووقوع الحرب كان بلا إرادة من الطرفين، فإنكار للبداهة، وتخديع للعوام، ويكفينا في هذا المقام كلام ابن عبّاس في جواب ابن الزبير، وإفحامه له، وذلك ما رواه ابن عبد ربّه في كتابه (العقد) حيث قال:
«قال ابن الزبير لعبدالله بن عبّاس: قاتلت اُم المؤمنين وحواريَّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وأفتيت بتزويج المتعة.
فقال: أمّا اُم المؤمنين، فأنت أخرجتها وأبوك وخالك، وبنا سمّيت اُمّ المؤمنين، فكنّا لها خير بنين، فتجاوز الله عنها. وقاتلت أنت وأبوك عليّاً، فإن كان عليّ مؤمناً، فقد ضللتم بقتالكم المؤمنين، وإنْ كان علي كافراً فقد بؤتم بسخط من الله بفراركم من الزحف. وأمّا المتعة فإنّي سمعت علي بن أبي طالب يقول: سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم رخّص فيها، فأفتيت بها، ثمّ عمر نهى عنها. وأوّل مجمر سطع في المتعة مجمر آل الزبير»(8).
(1) صحيح البخاري 1: 19 كتاب الإيمان ـ باب خوف المؤمن من أن يحبط عملُهُ….
(2) صحيح البخاري 9: 63 كتاب الفتن ـ باب قول النبي صلّى الله عليه وآله: لا ترجعوا بعدي كفّاراً….
(3) صحيح البخاري 8: 18 كتاب الأدب باب ما يُنهى من السّباب واللعن.
(4) الترغيب والترهيب 3: 466/2.
(5) فتح الباري في شرح صحيح البخاري 1: 93.
(6) المستدرك على الصحيحين 3: 121 كتاب معرفة الصحابة.
(7) المستدرك على الصحيحين 3: 121 ـ 122 كتاب معرفة الصحابة.
(8) العقد الفريد 4: 414.