حديث الصلاة على ابن أبي سلول
(ومنها) ما أخرجه ـ وأخرجه مسلم أيضاً ـ في كتاب التفسير: «عن ابن عمر قال: لمّا توفّي عبدالله بن اُبي، جاء ابنه عبدالله بن عبدالله إلى رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فسأله أنْ يعطيه قميصه يكفّن فيه أباه، فأعطاه، ثمّ سأله أنْ يصلّي عليه.
فقام رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ليصلّي عليه.
فقام عمر فأخذ بثوب رسول الله فقال: يا رسول الله، تصلّي عليه وقد نهاك ربّك أنْ تصلّي عليه؟
فقال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: إنّما خيّرني الله فقال: (استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرّة) وسأزيده على السبعين.
قال: إنّه منافق!
قال: فصلّى عليه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم.
قال: فأنزل الله (ولا تصلّ على أحد منهم مات أبداً ولا تقم على قبره)»(1).
وهذا الحديث ـ الذي وضعوه فضيلةً لعمر بن الخطّاب ـ مكذوب حتماً وموضوع قطعاً. وقد نصّ ـ والحمد لله ـ على ذلك غير واحد من أئمّة القوم:
كالغزالي بعد ذكر أخبار: «هذا مزيّف، فإنّ هذه الوقائع لو جمعت ونقلت دفعةً واحدةً لم تورث العلم، وليس ذلك كوقائع حاتم وعلي مع كثرتها.
على أنّ ما نقل في آية الإستغفار كذب قطعاً، إذ الغرض منه التناهي في تحقيق اليأس من المغفرة، فلا يظنّ برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ذهول عنه»(2).
وكالباقلاّني وإمام الحرمين في جماعة، كما ذكر شرّاح البخاري:
قال القسطلاني: «وقد استشكل فهم التخيير من الآية على كثير، وسبق جواب الزمخشري عن ذلك، وقال صاحب الإنتصاف: مفهوم الآية زلّت فيه الأقدام، حتّى أنكر القاضي أبوبكر الباقلاني صحّة الحديث وقال: لا يجوز أنْ يقبل هذا، ولا يصحّ أنّ الرسول صلّى الله عليه وسلّم قاله. وقال إمام الحرمين في مختصره: هذا الحديث غير مخرّج في الصحيح. وقال في البرهان: لايصحّحه أهل الحديث. وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أنّ هذا الخبر غير صحيح. وقال الداودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ، وهذا عجيب…»(3).
وقال ابن حجر: «قال ابن المنير: مفهوم الآية زلّت فيه الأقدام، حتّى أنكر القاضي أبوبكر صحّة الحديث وقال: لا يجوز أن يقبل هذا ولا يصحّ أنّ الرسول قاله. إنتهى. ولفظ القاضي أبي بكر الباقلاني في التقريب: هذا الحديث من أخبار الآحاد التي لا يعلم ثبوتها، وقال إمام الحرمين في مختصره: هذا الحديث غير مخرّج في الصحيح، وقال في البرهان: لا يصحّحه أهل الحديث، وقال الغزالي في المستصفى: الأظهر أنّ هذا الخبر غير صحيح، وقال الداودي الشارح: هذا الحديث غير محفوظ»(4).
(1) صحيح البخاري 6: 131.
(2) المنخول في علم الاُصول: 212.
(3) إرشاد الساري إلى صحيح البخاري 7: 155.
(4) فتح الباري ـ شرح صحيح البخاري 8: 272.