تكذيب عائشة أباهريرة
من ذلك: حديثه عن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «قال: من لم يوتر فلا صلاة له، فبلغ ذلك عائشة فقالت: جوج من سمع هذا من أبي القاسم؟ جواللهج ما بعد العهد وما نسيت،…»(1).
ومن ذلك: حديثه في شرّ الثلاثة:
«ولمّا سمعت أباهريرة يروي أنّ ولد الزنا شرّ الثلاثة قالت: كيف يصحّ هذا؟ وقد قال الله تعالى: (ولا تزر وازرة وزر اُخرى)(2).
«وروي أنّ عائشة قالت لابن اُختها: ألا تعجب من كثرة رواية هذا الرجل، ورسول الله حدّث بأحاديث لو عدّها عادٌّ لأحصاها»(3).
وهذا الحديث أبطله ابن عمر أيضاً، والغالب على الظنّ أنّهم يريدون بذلك الحماية عن أسلافهم وأكابرهم… فلا تغفل!! ففي (كنز العمّال):
«عن ميمون بن مهران: إنّه شهد ابن عمر صلّى على ولد الزنا، فقيل له: إنّ أبا هريرة لم يصلّ عليه وقال: هو شرّ الثلاثة، فقال ابن عمر: هو خير الثلاثة»(4).
ومن ذلك: حديثه إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمسنّ يده في الإناء، فقد أبطلته عائشة ووافقها ابن عبّاس(5).
ومن ذلك: حديثه في المشي في خفّ واحد، فقد روى ابن أبي شيبة، عن ابن عيينة، عن عبدالرحمن بن القاسم، عن أبيه: «إنّ عائشة كانت تمشي في خفّ واحد وتقول: لاُخيفنَّ أبا هريرة»(6).
فإنّ هذا تكذيب منها لأبي هريرة، ولا معنى له سوى ذلك، لأنّه قد ادّعى سماع النهي عن المشي في خفّ واحد عن رسول الله صلّى الله عليه وآله، فقد جاء في (الجمع بين الصحيحين):
«عن أبي هريرة: إنّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم قال: لا يمشي أحدكم في نعل واحد، لينعلهما أو ليخلعهما جميعاً. وفي رواية القعنبي: ليحفهما جميعاً أو لينعلهما جميعاً.
وأخرجه مسلم من حديث الأعمش عن أبي رزين قال: خرج إلينا أبو هريرة، فضرب بيده إلى جبهته فقال: ألا إنّكم تحدّثون أنّي أكذب على رسول الله صلّى الله عليه وسلّم لتهتدوا وأضل، ألا وإنّي أشهد لسمعت رسول الله يقول: إذا انقطع شسع أحدكم فلا يمشي في الاُخرى حتّى يصلحها»(7).
فهو يؤكّد على أنّه قد سمع من رسول الله ذلك… وقد كذّبته عائشة، لأنّ من قال سمعته يقول كذا وكذا لا يتطرَّق إليه إلاّ التكذيب، وهذا ما نصّ عليه ابن القيّم حيث قال: «ومعلوم قطعاً، أنّ تطرّق التكذيب إلى من قال سمعته يقول كذا وكذا أو أنّه لم يسمعه، فإنّ هذا لا يتطرّق إليه إلاّ التكذيب، بخلاف خبر من أخبر عمّا ظنّه من فعله وكان واهماً، فإنّه لا ينسب إلى الكذب. وقد نزّه الله عليّاً وأنساً والبراء وحفصة عن أن يقولوا سمعناه يقول كذا ولم يسمعوه»(8).
ولتكنْ هذه الإفادة من ابن القيّم منك على ذكر، فإنّها تفيد فائدةً عظيمةً في مواقع شتّى، ثبت فيها ردّ بعض الصحابة على بعض فيما رووه من الأحاديث، وادّعوا سماعه من النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم.
ومن ذلك: حديثه: الشؤم في ثلاثة… إذ كذّبته عائشة وغضبت على أبي هريرة بشدّة، قال أبو زرعة ولي الدين العراقي في (شرح الأحكام):
«الثالثة: اختلف النّاس في هذا الحديث على أقوال، أحدها: إنكاره، وإنّه عليه الصّلاة والسّلام إنّما حكاه عن معتقد أهل الجاهليّة. رواه ابن عبدالبر في التمهيد عن عائشة رضي الله عنها، أنّها أخبرت أنّ أباهريرة رضي الله عنه يحدّث بذلك عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، فطارت شقّة منها في السماء وشقّه في الأرض، ثمّ قالت: كذب والذي أنزل الفرقان على أبي القاسم، من حدّث عنه بهذا؟ ولكن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان يقول: كان أهل الجاهليّة يقولون: الطيرة في المرأة والدّار والدّابّة، ثمّ قرأت عائشة: (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها إنّ ذلك على الله يسير)».
فانظروا معاشر المتسنّنين ـ صانكم الله من التعصّب المهين ـ إلى اُمّكم الصدّيقة، التي ترون أنّ خاتم النبيّين صلوات الله وسلامه عليه وآله أجمعين، قد أمر صحابته ـ فضلاً عن غيرهم ـ بأن يأخذوا عنها شطر الدين ، وتزعمون أنّ الفاسق عنها والمعرض بها والطاعن عليها من الهالكين المعاندين والخاسرين الجاحدين، كيف ألقت جلباب الإستتار والخفاء عن انهماك أبي هريرة في الكذب والإفتراء، حيث أبانت أنّه قد افترى على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حديث أهل الجاهليّة الفجار، وعزى إليه صلّى الله عليه وآله وسلّم ما هو من مقولات الكفّار وترّهات الأشرار، وصرّحت رافعة عقيرتها بأنّه كذب، وهل بعد ذلك التصريح الصريح مجال لريبة مرتاب، أو فسحة لتأويل معاند كذّاب؟ لا، بل لو طاروا إلى السماء وغاروا في الغبراء، وقاموا وقعدوا، وتفيّروا وتربّدوا، لما وجدوا حيلة، ولما ألفوا إلى الخلاص وسيلة، وما زادهم التعمّق والتفكّر إلاّ انزعاجاً، وما أورثهم الجدّ والجهد في التبرئة إلاّ اختلاجاً.
وهذا الحديث رواه ابن قتيبة أيضاً، قال:
«حدّثني محمّد بن يحيى القطيعي قال: حدّثنا عبدالأعلى، عن سعيد، عن قتادة، عن أبي حسّان الأعرج: إنّ رجلين دخلا على عائشة رضي الله عنها فقالا: إنّ أباهريرة يحدّث عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أنّه قال: إنّما الطيرة في المرأة والدابّة والدار، فطارت شققاً ثمّ قالت: كذب والذي أنزل القرآن على أبي القاسم، من حدّث بهذا عن رسول الله؟ إنّما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: كان أهل الجاهليّة يقولون: إنّ الطيرة في الدابّة والمرأة والدار، ثمّ قرأت (ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلاّ في كتاب من قبل أن نبرأها)(9).
(1) المعجم الأوسط 4: 393/4012.
(2) سورة الانعام 6:124.
(3) الاُصول لشمس الأئمّة السرخسي 1: 340 ـ 341.
(4) كنز العمّال 5:461/13617 و 11:85/30716.
(5) شرح العضدي على مختصر ابن الحاجب 1: 184.
(6) المصنّف لابن أبي شيبة 8: 229/4982 الباب 846.
(7) الجمع بين الصحيحين 3: 123/2333.
(8) زاد المعاد في هدي خير العباد 1: 185 ما جاء عنه في الحج والعمرة، فصلٌ في أعذار الذين وهموا في صفة حجّته.
(9) تأويل مختلف الحديث: 98.